الخميس، 14 أغسطس 2008

"الاعتقال السياسي" إعتداء على المجتمع


ماجد المذحجي
لاتوجد بيئة سياسة في اليمن حيث يُمكن للناس الانشغال بالتفاوض من اجل تحقيق مصالحهم وحمايتها، الحاصل فقط هو مناخ عدواني يقع خارج السياسه ويحاول المرء فيه حماية نفسه بالكاد من تغطرس شائع. إنها بلاد تعرف عن نفسها بأسوء طريقة ممكنه، وللتدليل على ذلك يمكن متابعة عنوان رئيسي متكرر: اليمن بلد ملئ بالمعتقلين!
إنه حال دائم يُميز نتائج ممارسة السياسه في بيئة عدوانية تسيطر عليها سلطة متوترة وعنيفة لاتخضع للمسائلة العامة. وبالتأكيد هذا وضع غير طارئ على عهد الرئيس "الصالح"، فلافوارق يُمكن تميزها بين عهود "الصالح" قبل الوحدة وبعدها، باستثناء علانية العنف وتفجره بمعدل اكبر مؤخراً، الشمولية ذاتها مهيمنة، وتسلط اجهزة الامن على المجتمع سمة اساسية لسلوك سلطته في كل العهود.
 لقد حولت السلطة "الوحدة" و"الثورة" إلى إيديولوجيا عدوانية ضد الناس، ولايمارس النظام أي تمييز بين المواطنين في انتهاكاته الامنية، حيث الكل عرضه لها من حضرموت وحتى صعدة، ويبدو منخرطاً في وظيفة وحيدة: القمع والاعتقال. بالطبع مع التخفف من وظائفه الاساسية "التنمية، اصلاح المؤسسات، مكافحة الفقر، تحسين مستوى الصحة والتعليم، بناء دولة القانون... الخ".
إن اليمن اصبحت معتقل كبير، والمسألة ليست وصف مجازي مجاني، بل هي حقيقة قاسية تواجهنا بها الاعتقالات والمحاكمات المتكررة والقائمة في كل مكان. السلطة تفتقد للامان ولذلك تقوم بعدوان عنيف على المجتمع، وهو ما يحتاج مواجهة حقيقية، وعدم اقرار أو تفهم لهكذا سلوك، بشكل لايخضع للمساومات السياسية التي تفتقد لأي حساسية اخلاقية. إن التفاهم مع السلطة يجب ان يوقف حتى تتم إزالة اثار عدوانها على الناس، وتوقف المحاكمات وتطلق المعتقلين، ودون ذلك سيكون كل شيء عرضة لمزاج القوة الغاشم التي تتصرف تبعاً له دون أي رادع.
لقد مارس باعوم والشعيبي وبن فريد ومنصر والعسل ومفتاح والخيواني واخريين انشطة عامة ومدنية يكفلها الدستور والقوانين، ويفترض ان يضمنها الحق العام للجميع بممارسة السياسه والاختلاف في ظل نظام تعددي وديمقراطي، وهو نظام يفترض ان يكفل لأي فرد أن يسوق ارائه ويدافع عنها وعن مصالحه، او عن مصالح مجموعته الاهلية أو السياسية، ضمن اي خيار غير عنفي بدون التعرض لعدوان بسبب ذلك.
إن فعل الاعتقال والمحاكمات السياسية، وتعرض المتعلقين لانتهاكات امنية متواصله لحقوقهم، يؤكد على معنى واحد: اصرار السلطة على تحويل شرعية العمل العام والاختلاف السياسي من مصدرها التعقادي الدستوري لتستمد من شرعية "إعلان الولاء" المغلقه على "اتباع" السلطة. ولتطبيع الناس على ذلك تفرضه بالعنف الامني، والتعسف القانوني والسياسي، والنيل من نزاهة "الخصوم" ووطنيتهم.
إن السلطة تفرغ حقل السياسه من الشركاء، وتحتكر التحدث باسم المصلحه العامة، وتفسد لاجل حماية هذا الاحتكار كل الحقوق و"الاخلاقيات". وبالتأكيد لايمكن تجاوز واقعة اعتقال الدكتور محمد علي السقاف، المحامي واستاذ القانون المرموق، حيث تنتج هكذا واقعة دلاله واحدة تثبت مدى العنف الذي قد تذهب إليه السلطه بدون الخصوع لأي اعتبار: مصادرة الحق الضئيل بالدفاع، واغلاق الباب امام أي امكانية للتوسل بالقانون في مواجهة التعسف السياسي والامني!
 لقد رفع السقاف السقف، وجعل من القانون منبراً واضحاً للدفاع عن خيارات سياسية "سلمية" مختلفه تناهض السلطة تماماً، وهو اداء متمكن ذو نبرة واضحة صادر على الاخيرة قدرتها على تكييف القانون "تعسفاً" للنيل كلياً من حق الناس بهكذا خيارات.
الاعتقال والمحاكمات يعيدان النظر في جدوى الاستمرارية بالعمل السياسي العلني في اليمن، ويدفعان الناس إلى خيارات عمياء حين يسنفذ الممكن من بين ايديهم، والتمسك باولوية تصفية المناخ العام من عبء الاعتقالات السياسية يجب ان لاتسبقه اولويات فضفاضه كـ "المصلحه العامة".

نشر في صحيفة الثوري الاسبوعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق