الأحد، 9 نوفمبر 2008

الهيلوكبتر في الواجهة، والضحايا على الهامش...

ماجد المذحجي
يعوق الفساد كل شيء: الحياة السياسية، والتنمية، والاستثمار، والأداء الإداري، وتحسين مستوى المعيشة، والخدمات العامة. وقبل كل شيء فهو يعوق الطريق أمام المساعدات لضحايا الكوارث. تجلى هذا في حضرموت، حيث كان الفساد عائقاً فعلياً أمام إغاثة الضحايا بشكل عاجل، وبدا كأنه "سيل" متأخر جرف جزء كبير من المساعدات بعد أن جرفت سيول الأمطار منازل الناس وحياتهم. بالتأكيد يبدو ذلك مستساغاً ويتم تفهمه باعتبار الدولة تفتقر بالأصل للثقة، ولرأسمال محترم بين الناس، فهي عادة مجرد جهة "جباية" بسمعة سيئة، ولا تتمتع بأي كفاءة باستثناء القدرة على حشد أفراد الأمن في مواجهة المطالب العامة.
إن الكوارث القادمة من خارج منطقة السياسة تكشف عمق الفشل في قدرة الدولة على القيام بوظائفها الأساسية، وحيث تتجلى الكفاءة فقط في محورة الحدث، أي حدث، حول الرئيس، وإنشاء أسطورة "المخلص" حوله، بينما يتضاءل الضحايا في هامش الصورة، ويقع الحدث الفعلي خارج المتن الاستعراضي. كما أن الهليكوبتر التي حصدت النسبة الأعلى في الصورة التلفزيونية وهي تقل المسؤولين ليشاهدوا الكارثة من مسافة آمنة، كثفت تماماً حجم المسافة التي تفصلهم عن الأرض، حيث تقع الكارثة بالضبط، وحيث يمكن رؤية الجثث، والبيوت المهدمة، وأناس حائرين وغاضبين تم الاستيلاء على مستقبلهم فجأة، ولم تقم الدولة بما يكفي لإشعارهم بكونها ضمانة من نوع ما في مواجهة القادم.
الاستجابة الرسمية لما حدث أصبحت كارثة بجوار الكارثة، هناك أناس تأخر إنقاذهم أكثر من أسبوعين في وادي حضرموت بعد انتهاء السيول. المسألة لا تتعلق بتقديم المساعدات الغذائية أو البطانيات أو الأدوية أو تقديم أي شكل من أشكال الإغاثة الأولية والمعتادة لهم، بل تحديداً نقلهم من الأماكن التي حوصروا فيها إلى أماكن آمنة ليبقوا على قيد الحياة! الأمر يتعلق بما هو أولي وعاجل ويفترض أن يكون مفروغاً منه، وهكذا يصبح الحد الأدنى غير متوفراً وتفشل الدولة تماماً في القيام به. نعم الفساد خصم مرعب لمستقبل اليمن في التقارير الدولية، ولكنه تجاوز ذلك بكثير ليهدد حياة المواطنين اليمنيين بشكل مباشر وعلى الأرض.
 حضرموت مختبر واسع الان لكفاءة الفساد وتمكنه وتبجحه، ولذلك لا يبدو مستغرباً تداول أخبار عن وجود قنوات مباشرة بين المطار، وأماكن وصول مواد الإغاثة الخارجية المختلفة، ومخازن المعسكرات يتسرب عبرها جزء كبير من هذه المواد بأوامر قادة عسكريين، علاوة على وجود بعض هذه المواد معروضة للبيع في أسواق حضرموت والمهرة، وهو أمر في كلا الحالتين لم يستثر أي حماسة رسمية للتحقيق فيه. ليصبح رد الفعل الأقصى في الأمر هو تحريم خطباء المساجد في صلاة الجماعة شراء مواد الإغاثة! ذلك محزن ومخجل، وهو ما يجعل الكثير من الجهات الخارجية التي قدمت المساعدات معنية بشكل إضافي بحراستها وتوزيعها بنفسها، أو عبر جهات خيرية تثق بها، خشية أن تطالها يد الفساد. وكون هذا الإجراء يهدد مصالح الأخير فقد استثيرت الغيرة الوطنية لتطالب السلطات بأن تصب مواد الإغاثة كلها، وكافة إشكال المساعدات بدون استثناء في القنوات الرسمية المركزية! طبعاً ذلك ييسر الأمر، وعلاوة على كونه يجعلها مشاعة أمام النهب، فهو يجعلها عرضة لانعدام كفاءة الأجهزة الرسمية وبيروقراطيتها وقدرتها اللامتناهية على تعطيل مصالح الناس وإهمال احتياجاتهم.
تحتاج حضرموت والمهرة، وبالطبع الحديدة، إلى تحرك عاجل، وتحرير عملية الإغاثة والمساعدات من المصالح التي ينشئها الفساد سريعاً حول هذه العملية، وهو أمر يحتاج قرار سياسي حقيقي يمنح الاهتمام لمعالجة تداعيات الكارثة على الناس خارج الكرنفالات الإعلامية التي تحول الماسآة إلى استعراض دعائي للحاكم والمسؤولين.

نشر في موقع نيوزيمن

هناك 17 تعليقًا: