الاثنين، 24 نوفمبر 2008

في الحديث عن كون "التهامي" مسكيناً


ماجد المذحجي
في العادة يضمر حضور ( الحديدة ) في المشهد العام إلى الحدود الدنيا، وبالإضافة إلى كونها مُحافظة متروكة في النسيان والإهمال، ومقترنة بتفاصيل محدودة هي القات " الشامي "، و البحر، والفقر، والوفرة " الجنسية " الرخيصة. فلا يتعدى تلقيها، وشيوع حديث عنها، من حين إلى أخر في التداول الشفاهي اليومي -  بشكله البسيط والمعتاد في أفواه الناس، أو الأكثر ضجيجاً والمدون في الصحف - صيغة " الخبر " الطارئ حول انتهاكات وحشية الطابع تطال الفرد هناك، وتفصح عن هامشية كينونته في الجغرافيا التهاميه. وهو شأن يُمكن عزوه مباشرة إلى سيطرة علاقات، وتراتبيات قاسية، ذات مزاج " إقطاعي " على المجتمع، تم تعزيز نفوذها ووحشيتها، وتمكينها على احتكار الفضاء العام بتواطؤ سياسي من قبل " السلطة "، وغض نظر غريب وغبي من " المعارضة " والفعاليات المدنية، بغرض احتكار التمثيل السياسي لهذه المحافظة، والسيطرة على تفويضها الانتخابي ( وهو الشأن المتحقق للسلطة بشكل مُطلق، ولا تُنافس فيه في كل الدورات الانتخابية )، بشكل يُعزز من محاجتها اللاحقة لخصومها السياسيين، والتي تتكثف بالامتلاك الحصري لكل التمثيل الوطني!!.
يحضر بالعموم تمييز حصري يختص به " التهامي " في الوعي الاجتماعي البسيط والسائد، ويصنفه، أو يفرزه إجمالاً في خانة " المسكين "و " مكسور الحال ". وهو تمييز في هذا الوعي الأولي، يستحضر - غالباً وبشكل ما - مُقابله " القوي " في بعض المناطق، و " الحاذق " بشكل اقل في مناطق أخرى على المستوى المحلي. مما يجعله ضمناً في موقع اقل من ناحية القيمة أمام نظرائه في الرقعة الجغرافية اليمنية. في ظل استبطان الأفراد في المجتمع، لنموذج تقيم ثقافي وقيمي، مُتعاقد مع فكرة القوة، ويُهيمن عليه سحر العنف، مما يجعله يُعلي دوماً من قيمته الاعتبارية، ويحترم الفرد القادر على تأكيد وجوده، بين أنداده، عبر مفردات هذه  القوة، وتعبيراتها العنفيه المختلفة!. ويأتي غياب " الجنبية " - كرمز يُكثف بشكل بالغ الدلالة هذا التعاقد الاجتماعي العام مع العنف، والميل له - عن الحضور بشكل مُلفت في خاصرة الفرد التهامي، مثل حضورها لدى الفرد في المناطق المجاورة، مثل حجه، وذمار، و المحويت، وتعز. ليؤكد إجمالاً على هذا الانطباع الشائع، أي على كون هذا التهامي " مسكينا ً "؟!. باعتبار عدم إقباله على ارتدائها،  يُفصح عن كونه غير ميال للعنف، و لتعزيز كيانيته، وقيمته الاعتبارية، برمزية القوة الكثيفة التي يستبطنها ارتداء هذه الجنبية، وتوظيف الحمايات التي ترتبها أيضاً لصحابها. فاليمني بالعموم، يتحصل من هذه " الجنبية "، على تأكيد حقه المشروع باستعمال العنف، وتأكيد حضوره " القوي " عبرها في مقابل الأخر، سوا لحماية حقه منه، أو لتعسف حقوق هذا الأخر في بعض الأحيان، حسب ما يُتيح له موقعه في التراتبيات الاجتماعية من سطوة ونفوذ، والتي يُشكل نوع الجنبية وطريقة ارتدائها، أسلوباً في تمييز الأفراد عن بعضهم، بناءاً على قيمتهم الاعتبارية في المجتمع. ويُعزز من كون هذا " التهامي " مسكين، تفصيلات أخرى إضافية، منها: نعومة لهجته، وانخفاض نبرتها الصوتية، وامتلاؤها بالحس الجمالي. قياساً بخشونة اللهجات الأخرى، وامتلاؤها بتأكيدات القوة الصوتية، مثل ارتفاع النبرة فيها بشكل عام، وكثافة حضور البدن كمعيار قوة في التعبيرات، وجفاف الصورة الجمالية في المفردات، وضعفها في التعبير العاطفي عن الفرد، و.. الخ. ويبدو لي بشكل ما،  أن تميز " تهامة " كمنطقة غير وعرة، وسهله، غير محمية بتكوينات جغرافيه صعبه، وممانعة، سبب إضافي في استضعاف التهامي، وضعف ثقافة " العنف " لديه. فهي منطقة منبسطة على العموم، بتجاوز الاستثناءات القليلة طبعاً، وتتميز بالخصوبة الشديدة، كون وديانها تستوعب مجاري " السيول " القادمة من الجبال في المناطق المجاورة لها في الصيف، وتتلقى كمية لابأس بها من الأمطار شتاءاً، مما خلق ثقافة زراعية ذات طابع مُسالم في الغالب لدى أفراد المكان. وكان في عدم وعورة التضاريس الطبيعية في " تهامة " سبباً لعدم وجود تحدي مُرهق لبنية الفرد هناك، بحيث يخلق تحولاً جسدي لافت فيها، تجعله يبدو أقوى وأقسى مما هو عليه من ضمور وضعف تكويني واضح!. ففي العموم اليمني، يتميز أبناء المناطق الوعرة من أبناء الجبال، ببنية قوية، وملامح قاسية، ومزاج متجهم. ويلعب ضمور الموارد الطبيعية، وضعف الميل للحرف، والفقر، وشيوع الأمية، دوراً مهماً بخلق نزوع عام للعنف، والتأكيد على الاعتباري على مزايا القوة وضرورتها في الحياة. ومما يعزز هزال " التهامي "، وضعفه التكويني بشكل عام، هو الفقر المدقع والشائع بشدة في تهامه، رغم وفرة الموارد الطبيعية، وكنتيجة لاضطهاد عام، ولسيادة علاقات عمل متخلفة، يتم حماية العسف الذي يميزها عبر نفوذ ( مشيخي إقطاعي ) شديد الوطأة والتسلط على الفرد هناك. وتتضافر الظروف والعوامل الطبيعة، في لعب ادوار إضافية تخلق جذور تمييز تجاهه، حيث يقوم المناخ الحار، وسطوع الشمس الدائم بتلويح بشرة هذا التهامي، وجعلها شديدة السمار. وهو شأن سلبي في مجتمع يتمسك بالتلقي الأولي، والتأكيد على القيمة الانطباعية التي ينتجها، أياً كانت دلالتها السطحية والمباشرة، وبغض عن موقع هذا التهامي ذو البشرة السمراء، المائلة للسواد، في التراتبية الاجتماعية التقليدية، أي من حيث كونه " قبيلي " أم لا!!؟. ففي أحد أشكال فرز الأفراد السائدة في المجتمع، يتم تمييز " القبيلي " ببشرته الفاتحة، عن  " السوداء " التي تخص المهمش " الخادم "، وهو الأقل قيمة إطلاقاً في المجتمع.
إن لون البشرة، واللهجة، والبنية، والمكان، والظرف الاقتصادي، وغيرها من التفاصيل التي تُستغل لبناء تمييز تجاه التهامي، تُشعره ضمناً بالضعف في أكثر من مستوى، ويمكن قياس حقيقة هذا الضعف في قدرته على المنافسة في سوق العمل، حيث المعيارية الشكلانية أو الموضوعية تلعب الدور الأساسي في التوظيف. فالمظهر كأحد المعايير الشكلانية للتوظيف، يتم تقييمه إيجابياً وفق الصورة النمطية التي تفضل البشرة البيضاء، والقامة الطويلة ذات البنية القوية، لا البشرة السمراء، بقامة قصيرة وبنية هزيلة. وحتى في العمل الذي لا يحتاج إلى تأهيل عالي، وغير مشروط بالصورة النمطية ( الشاقي )،  تُفضل القوة البدنيه بشكل رئيسي، باستثناء الحرفين طبعاً " الاسطى ". ويحضر مستوى التعليم كشرط تفضيلي في سوق العمل، وتعزيز حظوظ الراغب بالتوظيف، وهنا مشكلة إضافية، حيث تنخفض حصة التهامي في التعليم العام، والأكاديمي، وتشيع الأمية في تهامه، ويرتفع معدل التسرب من المدارس، ومعدل عمالة الأطفال، بسبب الفقر، ودفع الأهل لأطفالهم للعمل باكراً للمساهمة في تعزيز موارد الأسرة الضعيفة، بدل استهلاكها في الأنفاق على كلف تعليمهم. مع غياب واضح للدولة في أكثر من مستوى عن مناطقهم، وعدم قيامها بوظائفها، مثل إنشاء المدارس، وتوفير الكادر لها. حيث يبدو المتوفر من البنية المادية للتعليم هناك ضئيلاً جداً، قياساً بمساحة تهامة الكبيرة، وترامي أطرافها، وعدد السكان!!.
يُعاني التهامي إجمالاً حين يحاول إنشاء أي نوع من العلاقات المتخففة من إحساسه بالهشاشة والتمييز الضمني، خارج مناطق تواجده الكثيف  ( الحديدة مثلاً ). فاللهجة المتمايزة فعلاً عن غيرها، والسمار الشديد، وقصر القامة، ليست عناصر مُشجعة غالباً لتعزيز المبادرة العاطفية من قبل شاب تهامي تجاه فتاة من صنعاء، أو من تعز مثلاً، والعكس صحيح أيضاً!!. مع التأكيد على أن الاستثناءات لا تشكل قاعدة. وفي هذا ما يُعزز من هشاشة التقدير الشخصي للذات، سواء في مقابل نفسه، أو في مقابل الآخرين. مما يدفعه للاستلام للوصف الشائع عنه، والذي يختصره بـ المسكين، والطيب. والتكيف ضمناً مع ما يُرتبه هذا الاختصار من نتائج إيجابية وسلبية على حياته، ومصيره اليومي.
ضمن مستوى أخر، تتميز علاقة " المشائخ " بـ " الرعية " في تهامة بتعسف شديد، حيث يبدو غالباً، وبشكل واضح، وجود ميل شديد لدى الأول، للتنكيل بالثاني، وإهانته، وسحق تقديره لذاته،وأي اعتراض لديه!؟. ضمن منظومة عرف قبلية تحمي " الشيخ " عموماً، ولا تؤاخذه على إهانة " رعاياه ". بشكل مختلف عن الحاصل في مناطق أخرى في اليمن، حيث وأن كانت بعض الأعراف تسوغ "  للشيخ " التعسف، ولكنها تمنعه من التنكيل برعاياه، وتؤكد على التساوي بين الطرفين، في حصانة الذات من الإهانة، أي كانت طبيعتها، وخصوصاً في الشق الذي يمس كرامته، وعرضه، وتقديره لذاته بين الأخريين. ويعود جزء من ذلك، إلى كون الشيخ هو المالك الأساسي لأغلب الأراضي بما عليها، في الكثير من مناطق تهامة، بما يتيح له التسلط بمزاج شبه " إقطاعي " - يشبه ذلك الشائع عن اقطاعيّ أوروبا في القرون الوسطى - على الأفراد فيها. وهم في اغلبهم فقراء، ليست لديهم ملكيات عموماً، ويسكنون في أراضي الشيخ، وأما يعملون فيها، أو في حرف بسيطة لا تكفي لتكوين اعتمادية مستقلة، وأشكال اقتصادية لا تنتمي للنمط شبه " الخراجي " الشائع، والذي يمحور الإمكانية والجدوى كلها بيد الشيخ!!.  كل ذلك يعمل على تكثيف النفوذ الشخصي للشيخ في تهامه، ويعزز من قوته، وينفي في المقابل الفرد فيها، وينهكه حتى الحد الأقصى.
أميل هنا لتقدير شخصي إضافي، لتبرير التنكيل الذي يمارسه الشيخ هناك، ويتعلق بإحساس هذا الشيخ في تهامه بانخفاض قيمته في مقابل الشيخ في المناطق الشمالية، والشمالية الشرقية ( وهو النموذج النمطي للشيخ، والذي يُقاس به حصراً  لاعتبارات مختلفة ) سواء في علاقته بالدولة، أو لطبيعة التقدير الاعتباري الذي يُمكن أن يحظى به مع جهات أخرى. يُنتج هذا الإحساس بـ ( النقص ) لديه، ميل إلى التعويض النفسي، ذو التعبيرات الاضطهادية والاستبدادية، يُصادر عبرها الأفراد في دائرة نفوذه، وينكل بهم، وبحقوقهم، بغرض التأكيد الواهن للذات، على كونه نظير أولئك المشائخ في القوة، والقدرة على استعمالها، والتي هي سبب تميزهم في الاعتبار العام حسب الرأي الشائع. رغم إغفاله لنقطة أساسية، تكمن في كون المشائخ الذي يحتذيهم بهذه الطريقة بافتراضه، يؤكدون على استعمال قوتهم ونفوذهم في علاقتهم بالأخريين من خارج قبيلتهم فقط، وليس في دائرتها إطلاقاً، حيث يفعل هو!!. إنهم يعززون من رأسمالهم العام، بالإعلاء من قيمة أفراد قبيلتهم، وحفظ كرامتهم أمام الأخريين، والتأكيد على قوتهم في القبيلة، بانفاذ وطأة اعتبارية على أفرادها، لا يستخدم معها العنف تجاه احدهم إلا في النادر جداً. على عكسه هو، حيث في الأغلب تكمن كل قيمته في بطشه، وقسوته، لا في أي مزايا عامه، أو تفضيلات شخصية أخرى!!.
إجمالاً، تعمل هذه الانطباعية الشائعة التي ترادف بين " التهامي " و " المسكين "، على تجذير تمييز مُضمر تجاه، ولا يتم الوعي بضراوة ما ترتبه. وهي تفسد على التهامي قدرته ورغبته بالتساوي مع الآخرين، وتدفعه للاستسلام لهذا الانطباع، ويترتب عليها إمكانية اقل، في التحصل على ظروف وفرص أفضل مما يحصل عليه. وتعزز هذه الانطباعية أي رغبه للتعسف به، أو بحقوقه، وتهميشه، في ظل تقديرنا الأساسي بان " طيبته " و " سلبيته " لن تتيح له الاعتراض على الأغلب. وهي أيضاً، رتبت على الأغلب إهمالاً عاماً لمطالبه، واحتياجاته، وحقوقه من قبل الدولة، باعتباره فرد في المجتمع يدفع ضريبة، وذو صوت انتخابي يرتب له منافع مختلفة يُفترض بان توفر له مادامه يمنحه لها باستمرار.
نشرت في صحيفة الوسط

الأحد، 9 نوفمبر 2008

الهيلوكبتر في الواجهة، والضحايا على الهامش...

ماجد المذحجي
يعوق الفساد كل شيء: الحياة السياسية، والتنمية، والاستثمار، والأداء الإداري، وتحسين مستوى المعيشة، والخدمات العامة. وقبل كل شيء فهو يعوق الطريق أمام المساعدات لضحايا الكوارث. تجلى هذا في حضرموت، حيث كان الفساد عائقاً فعلياً أمام إغاثة الضحايا بشكل عاجل، وبدا كأنه "سيل" متأخر جرف جزء كبير من المساعدات بعد أن جرفت سيول الأمطار منازل الناس وحياتهم. بالتأكيد يبدو ذلك مستساغاً ويتم تفهمه باعتبار الدولة تفتقر بالأصل للثقة، ولرأسمال محترم بين الناس، فهي عادة مجرد جهة "جباية" بسمعة سيئة، ولا تتمتع بأي كفاءة باستثناء القدرة على حشد أفراد الأمن في مواجهة المطالب العامة.
إن الكوارث القادمة من خارج منطقة السياسة تكشف عمق الفشل في قدرة الدولة على القيام بوظائفها الأساسية، وحيث تتجلى الكفاءة فقط في محورة الحدث، أي حدث، حول الرئيس، وإنشاء أسطورة "المخلص" حوله، بينما يتضاءل الضحايا في هامش الصورة، ويقع الحدث الفعلي خارج المتن الاستعراضي. كما أن الهليكوبتر التي حصدت النسبة الأعلى في الصورة التلفزيونية وهي تقل المسؤولين ليشاهدوا الكارثة من مسافة آمنة، كثفت تماماً حجم المسافة التي تفصلهم عن الأرض، حيث تقع الكارثة بالضبط، وحيث يمكن رؤية الجثث، والبيوت المهدمة، وأناس حائرين وغاضبين تم الاستيلاء على مستقبلهم فجأة، ولم تقم الدولة بما يكفي لإشعارهم بكونها ضمانة من نوع ما في مواجهة القادم.
الاستجابة الرسمية لما حدث أصبحت كارثة بجوار الكارثة، هناك أناس تأخر إنقاذهم أكثر من أسبوعين في وادي حضرموت بعد انتهاء السيول. المسألة لا تتعلق بتقديم المساعدات الغذائية أو البطانيات أو الأدوية أو تقديم أي شكل من أشكال الإغاثة الأولية والمعتادة لهم، بل تحديداً نقلهم من الأماكن التي حوصروا فيها إلى أماكن آمنة ليبقوا على قيد الحياة! الأمر يتعلق بما هو أولي وعاجل ويفترض أن يكون مفروغاً منه، وهكذا يصبح الحد الأدنى غير متوفراً وتفشل الدولة تماماً في القيام به. نعم الفساد خصم مرعب لمستقبل اليمن في التقارير الدولية، ولكنه تجاوز ذلك بكثير ليهدد حياة المواطنين اليمنيين بشكل مباشر وعلى الأرض.
 حضرموت مختبر واسع الان لكفاءة الفساد وتمكنه وتبجحه، ولذلك لا يبدو مستغرباً تداول أخبار عن وجود قنوات مباشرة بين المطار، وأماكن وصول مواد الإغاثة الخارجية المختلفة، ومخازن المعسكرات يتسرب عبرها جزء كبير من هذه المواد بأوامر قادة عسكريين، علاوة على وجود بعض هذه المواد معروضة للبيع في أسواق حضرموت والمهرة، وهو أمر في كلا الحالتين لم يستثر أي حماسة رسمية للتحقيق فيه. ليصبح رد الفعل الأقصى في الأمر هو تحريم خطباء المساجد في صلاة الجماعة شراء مواد الإغاثة! ذلك محزن ومخجل، وهو ما يجعل الكثير من الجهات الخارجية التي قدمت المساعدات معنية بشكل إضافي بحراستها وتوزيعها بنفسها، أو عبر جهات خيرية تثق بها، خشية أن تطالها يد الفساد. وكون هذا الإجراء يهدد مصالح الأخير فقد استثيرت الغيرة الوطنية لتطالب السلطات بأن تصب مواد الإغاثة كلها، وكافة إشكال المساعدات بدون استثناء في القنوات الرسمية المركزية! طبعاً ذلك ييسر الأمر، وعلاوة على كونه يجعلها مشاعة أمام النهب، فهو يجعلها عرضة لانعدام كفاءة الأجهزة الرسمية وبيروقراطيتها وقدرتها اللامتناهية على تعطيل مصالح الناس وإهمال احتياجاتهم.
تحتاج حضرموت والمهرة، وبالطبع الحديدة، إلى تحرك عاجل، وتحرير عملية الإغاثة والمساعدات من المصالح التي ينشئها الفساد سريعاً حول هذه العملية، وهو أمر يحتاج قرار سياسي حقيقي يمنح الاهتمام لمعالجة تداعيات الكارثة على الناس خارج الكرنفالات الإعلامية التي تحول الماسآة إلى استعراض دعائي للحاكم والمسؤولين.

نشر في موقع نيوزيمن