الأحد، 22 نوفمبر 2009

كـرامة ناقـصة عـلى الحـدود الشمالية


* بقلم : ماجد المذحجي
حتى الان لم تنجح السعودية في القضاء على ميليشيا الحوثي المتسللة إلى داخل حدودها كما تردد الحكومة ووسائل الإعلام السعودية، ولكنها نجحت في شأن آخر على الأغلب: تحويله من قائد ميلشيا إلى ما يشبه حارس للكرامة اليمنية على الحدود الشمالية، خصوصاً حين تصبح السيادة أمراً ساقطاً من الحسابات الرسمية اليمنية في مواجهة الشقيقة الكبرى كما يبدو عليه الأمر!
يثير هكذا تقدير قدراً كبيراً من الحساسية الرسمية حين يضعها في موقف المتخلي عن اعتبارات الكرامة والسيادة الوطنية، ولكنه ضمنياً ينسحب على إحساس الكثير من اليمنيين مازالت السعودية تحضر بالنسبة لهم كطرف غير نزيه فيما يتعلق باليمن، وحيث هي المتصرف السري السيء بمصير هذه البلاد لفترات طويلة كان فيها طموح اليمنيين ببلد محترم وذو استقلالية في قرارها ومصيره يجابه بالنفوذ السعودي المسكون بوصية مؤسسها عبدالعزيز لأولاده "خيركم من اليمن وشركم من اليمن".
لم توفر السعودية أسباباً لغير هكذا تقدير في إدارتها على معركتها على الحدود اليمنية وداخلها، حيث يصبح الحق السعودي في التصرف لحماية نفسها متعدياً أي اعتبارات، وبسهولة يصبح من حق قواتها أن تقصف دون تمييز، وبأكثر الأسلحة حداثةً وفتكاً ودماراً، القرى اليمنية متسببة بمقتل الكثيرين دون أي تمييز كانوا حوثيين أم مواطنين مغلوبين على أمرهم، وحين يصبح من حق القوات البحرية السعودية حصار ميناء ميدي اليمني، ضمن المياه الإقليمية اليمنية، لاعتبارات أمنية تتعدى الحصار لاحقاً لتصل إلى قصف قوارب الصيادين ومؤخرة الميناء بالطائرات دون أدلة على أي تهريب للسلاح وفق التبرير الشائع، وهكذا فأن الحاصل في كل ذلك حين يخص السعودية آن لا كرامة لليمنيين حتى في أرضهم بمواجهتها!
تتحدث شكاوي كثيرة، وإشاعات غير مؤكدة حتى الان، عن نقل معتقلين يمنيين من الذين يدخلون تهريبا للعمل للسعودية إلى خطوط المعارك، وعن اعتقالات دون تمييز للاجئين اليمنيين في السعودية، حيث الضرورة كما يبدوا تقتضي وجود أسرى حوثيين يجب توفيرهم بأي طريقه أو ثمن حفاظاً على كرامة الجيش السعودي في معركته الظافرة ضد "المتسليين"، وهنا لا يصبح مهماً التمييز بين مواطنين منكوبين في هذه الحرب أو مقاتلين فعليين، ففي الأخير ينتمي الاثنين لبلد لا يستطيع حماية مواطنيه، بينما يجب حماية الكرامة السعودية بأي ثمن، وهي كرامة يبدو أن وقودها دماء اليمنيين فقط في هذه الحرب.
يزداد الوضع تدهوراً بالنسبة للمواطنين اليمنيين على الحدود مع السعودية، والتي تفاقمت مع دخول الأخيرة طرفاً في حرب صعدة، وعلى الرغم المناشدة المتكررة من منظمات الإغاثة الدولية، كان آخرها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فأن السعودية لا تلقي بالاً للأمر ولا تقدم أي مساعدات فعلية أو تسهل الأمر على قوافل الإغاثة الدولية التي تريد إذناً فقط بالدخول من جهة الأراضي السعودية للوصول للاجئين اليمنيين العالقين، حيث الأمر مرهون بموافقة أمنية من قبلها، وعلينا عقب ذلك أن نشاهد قناة الـmbc وقناة العربية، التي أصبحت أشبه بجهاز تعبوي للجيش السعودي، وهي تتحدث عن تحول مخيمات المواطنين السعوديين إلى أشبة بمدن بمكتملة الخدمات، بينما على الطرف الأخر من الحدود، حيث لا تتعدى المسافة عشرات الكيلومترات فقط، هناك أخريين متروكين في العراء دون حيله، وهم عرضه للموت إما بالقصف أو الجوع أو البرد.
اعتبارات السيادة حين تخص الدولة والكرامة حين تخص مواطنيها تتجاوز فكرة العصبية بمعناها البدائي لتصبح تعريفاً لحضورها بمقابل الآخرين ومدى استقلاليتها وحصانتها تجاه "تغولهم" عليها. والافتقاد للحساسية تجاه كل ذلك مؤشر مفزع على المسافة التي تفصل الناس عن انتمائهم الوطني. وبهكذا حساسية منخفضة حتى الان يُمكن إدراك الحضور الضعيف لهذه الاعتبارات في السياسة اليمنية، والإعلام اليمني، حيث يصبح ما يحدث لليمنيين في الحدود الشمالية شأن لا يخص اليمنيين! وتهيمن السعودية بسوطها الطويل في اليمن مانعة أي شخص من الاقتراب من هذا الشأن، حيث لا يجب التشويش على معركتها للقضاء على المتسللين حتى وان اقتضى الأمر قتل بعض اليمنيين أيضاً وأن بالخطأ.
.................
* نشر في موقع نيوز يمن - الأحد 22 نوفمبر 2009 

الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

هاشم علي... الفنّ اليمني فقد أحد آبائه


ماجد المذحجي
برحيل هاشم علي (1945ـــــ2009) أحد رواد الحركة التشكيلية في اليمن، يغلق الباب خلف آخر رجل استطاع أن يحيا بسلام في بلد أنهكه العنف، وآخر الشهود على حلم اليمنيين بالطمأنينة. انتمى هاشم علي إلى حساسية مختلفة في الفن، حيث الحياة اليومية مختبر جمالي هائل، سوّق ألوانه وخطوطه في خضمه بخفّة نادرة. لم يتبنَّ انحيازات مدرسية في التشكيل، بل تتبّع حدسه. إنجازه اعتمد على المغامرة في الرسم بعيداً عن القوالب الشائعة، فكان رجلاً اقترب كثيراً من القاع والملامح اليومية للناس، من دون أن يجرّه ذلك إلى واقعيّة فجّة. بل صارت لوحته إنشاءً سحرياً للملامح والتفاصيل وخطوط المدن والأبنية في امتدادها اللانهائي.
لقد تسلط «مزاجه» في الرسم على الأجيال اللاحقة في اليمن، وأصبحت السمات التي ميّزته كفنان جزءاً من ورطة الآخرين. قد يكون أحد أسباب تسلّط أسلوب «المعلم»، تلك الهالة التي تحيط به. فهو أشبه بتلك الصورة السينمائية المعتادة عن رجل حكيم ومليء بالمعرفة ومنعزل عن العالم، حيث يسعى مَن يريد التتلمذ على يديه إلى بذل الكثير من الجهد لإرضائه.
استطاع هاشم علي بناء رصيد للتشكيل في بلد لا يستسيغ مزاجه العام هذا النوع من الفنون، بل ينحو الى الاحتفاء بالصوتيات أكثر من المرئي، ويفضّل الشعر والطرب على التشكيل والكتابة السردية. لذا، كان ينبغي لهاشم علي بدايةً أن يبذل الكثير من الجهد، حيث لا ريادة سابقة في هذا الحقل في اليمن. هكذا، اعتمد على مخيلته وحساسيته التي رباها بتراكم الخبرة لا بالتحصيل الأكاديمي واستطاع أن يؤسس أكثر من منجز شخصي في التشكيل. بل
إنّ دوره تعدى ذلك إلى تمرين الذوق العام على بدء استقبال هذا الفن، وشق الطريق حرفياً أمام آخرين أسَّسوا تجاربهم بعدما كان هو ـــــ «المعلم» كما يطلق عليه ـــــ قد شرّع «حرفتهم» وفتح أمامها النوافذ.
بالتأكيد حين يخص الموت هاشم علي، يصبح الأمر تجريداً بشكل ما، أو ربما اختباراً جمالياً آخر، علينا التعايش مع اعتباره احتمالاً آخر للحياة يخــوضه. يصبح ذلك أشبه ما يكون بمقامرة أخيرة للموت، يدخله هاشم بألوانه ويعرضه لاحتمالات النجاة من لونه الواحد وسطوته القاتمة. أدرك هاشم علي الموت قبل أن يدركه هو. استعاد حضـوره في الملامح الغارقة بالتعب، واكتشفه في السفر اليومي للون. اصطاد حضوره غير المرئي على خلفية الحياة، فجعل علاقته به ملهاة مزدحمة بالتفاصيل والألوان، حتى أصبح الموت في حضرة هاشم علي عارياً وناعماً كولادة أخرى...
نشرت في صحيفة الاخبار اللبنانية
http://www.al-akhbar.com/ar/node/166005

السبت، 7 نوفمبر 2009

ما يتبقى من رجل وامرأة


ماجد المذحجي
لاشيء يبدوا أكيداً ويسمح له بالاطمئنان، على الأقل أن مايحدث لن يكبر أكثر من اللازم. إصراره على التماسك أمام غضبها وعدم الرد عليها هو الوسيلة الوحيدة ربما لتجنب تطور الأمور بينهما نحو الاسوء كما اعتقد للحظة على الأقل. يحول نظره نحو مشهد محايد بالقرب من كتلتها الغاضبة، ولكن وجهة يصبح مرآة تشاهد فيه كل كراهيتها: لاشيء يبعث على الغضب أكثر من الحديث عن المغفرة حين تكره المرأة رجل كان حبيبها، وما هو ثقيل أكثر من الكراهية هو الذكريات بين حبيبين يوشكان على ترك بعضهما، تُصبح قطعة واحدة مصمتة، باردة وقاسية، ولاتفعل سوى ترك كل شيء محطماً حولها حين تصبح تأكيداً، لأحدهما على الأقل، على الإحساس بالخديعة.
مضى كل ذلك، انهمكا في الحياة وأصبح كل شيء يومياً أكثر
مرت سنه، اثنتان، ثلاث، أربع
مر الوقت...
ربما تأكدت تماماً عقب ذلك بأنه كانت خدعتها الطويلة، ولم يحاول هو أن يدافع عن نفسه. الفاصل بينهما الان هي بلدان عديدة وشتاءات كثيرة استيقظا فيها بعيداً عن بعض، ولاشيء مؤكد عن الحب الذي كان، على الأغلب انه أصبح سبباً للكراهية فقط.
حين تبادلا الحديث لمرة وحيدة بعد كل تلك الفترة كان بالقرب منها صدفة، في تلك البلد البعيدة التي احتمت بها طويلاً من الذكريات كلها. اخبرها انه في مدينة قريبة منها برسالة على الموبايل ولم يكن أكيداًَ من شيء. اتصلت، ربما كنوع من طمأنة النفس على أنها تخلصت منه، ولكنها بالتأكيد اتصلت: صدره البارد اشتعل دفعةً واحدة وهب كل شيء. ولكنها كانت قد حسمت الأمر، ويبدوا أن الكراهية أصبحت اقل مما تريد، لااكثر من الشفقة على رجل كان لمرة حبيبها ويبحث عن عزاء أخير.
سيلتقيان لاحقاً في مصادفات الحياة، كما يحدث عادةً للكثير من الناس ، وسيكون من السهولة أن يلتقيا في منتصف المسافة كشخصين ناضجين واختبرا الحياة طويلاً، ولكن من الواضح في لحظة كتلك أن ما سيتبقى بينهما هو التكلف، وانه ليس أمراً يسيراً أن يتصالح أي منهما مع الماضي. يُصبح من الملائم أكثر حينها الفرار سريعاً من بعض. تثبيت العينين بعيداً عن الوجه، وجعل التحية محايدة والكلام دون معنى. لن يكون الأمر أكثر من لقاء قصير ومنهك بين رجل وامرأة أحبا بعضهما سابقاً ولم يتبقى شيء لديهما.
نشرت في موقع جدار