الثلاثاء، 29 يناير 2008

مديحة الحيدري.. رحيل رقة لاتتكرر

ماجد المذحجي
تركت مديحة الحيدري ابتسامة مشرقة في البال وغادرت، متخففه من "بلاد" لاتمنح للابتسامة مساحة كي تكبر. دون انصاف او انتباه كانت موجودة بالقرب منا: امرأة ذات حضور مشرق، وفنانة جميلة استطاعت ان تلون التجهم الذكوري في اليمن برقة شخصية قد لاتتكرر بسهولة.
كان الامر مؤذي حتماً بالنسبة لامرأة مثلها، فكسر شروط العمل المخيفة في الفن باليمن امر يحتاج إلى جراءة حقيقية، فبالنسبة إلى واقع الامر هنا يسهل الجمع بين الادانة الاخلاقية والفن، وبالطبع يصير الوضع اكثر ضرواة بالنسبة للنساء. مديحة الحيدري تجاوزت ذلك لصالح دور فني مبكر في اليمن يجب ان يحسب لها امتياز ريادة اضافة النساء فيه.
حين لعبت اول ادوارها في المسرح منتصف السبعينات، ، كان الامر مقترنا بطموح مشروع يمني حديث وواسع في السبعينات، يدفع به "الحمدي" لتلتحق البلاد بالعصر وتنفتح عليه. كانت دور السينما، والمسارح موجودة، والناس يقبلون عليها بشغف جديد وبقدر قليل من المحاكمات الاخلاقية للامر. بدأت طبقة وسطى مدنية تتشكل في "الحواضر"، مُلحقة باجهزة الدولة التي بدأت "تتقوى" انذاك بمقابل مراكز القوى المحافظة اجتماعياً، وكان وعيها مستقلاً عن المنظومة التقليدية للافكار والعادات في اليمن، وتنظر للمستقبل بتخفف من الماضي وطموح يغذيها حراك واضح وشروط تحول اجتماعي مهم بدأت تظهر. كانت الحيدري ابنة تلك "المساحات" الصغيرة من الحرية الاجتماعية التي اتاحتها الك الحقبة، وتغذت رغبتها بالفن اعتماداً عليها. كان الامر ممكناً، وبالنسبة لها كفتاة صغيرة، ربما لم تُرفق "هوايتها" بالتشجيع انذاك، لكنها لم تقابل أيضاً بالممانعة. لكن الامر اختلف بالنسبة للشابة والسيدة مديحة الحيدري. بدءاً من الثمانينات وحتى حين وفاتها حدث الكثير: انتهى مشروع التحديث الذي كان يقودة "الحمدي"، والمجتمع الذي كان يتحول وينفتح تراجع للخلف بسرعة مخيفة. وفي نهاية الامر، حين توفيت هي، لم تعد هناك طبقة وسطى ولادور سينما او مسارح في اليمن. لقد شهدت حياتها اقتراناً غريباً بحال اليمن، فهي ابتدأت بطموح البلد وانتهت بمآلها السيء الذي هي عليه الان!
كانت مديحة الحيدري تحتاج للانصاف بشدة، الامر يتعدى الدولة التي لم تعتني بها او تكرمها، ليتعلق الموضوع بمجتمع يعادي النساء، ونظر للفن الذي قدمته ونذرت نفسها له، بغض النظر عن احكام القيمة الفنية على اداءها في الدراما التلفزيونية او المسرح، من زاوية اخلاقية محافظة بشدة. لقد صادر "الناس" حياتها بمقولات اخلاقية رديئة، والامر ليس شخصياً او يتعلق بها فقط، بل يطال الان أي "فنانة" يمنية، تصبح بسهولة، في نظر "المجموع"، فتاة سيئة السمعة!
 لم يعتاد "الناس" رؤية النساء خارج ادوارهن الاجتماعية المعتادة التي يقررها وعي محافظ وذكوري، ومبادرة أي امرأة خارج هذه الادوار تصبح فرصة لـ "تصيد" اخلاقي جماعي يصادر عليها حقها في الحياة.
مديحة الحيدري امرأة يمنية استطاعت ان تنصت لشغفها بالفن واعتمدت على ذلك للاستمرار في حياة ليست سهله ابداً. لقد استطاعت ان تضفي على ذاكرتنا "لمسة" امرأة جميلة، وقاومت حتى النهاية وصاية اخلاقية صادرت حياة مجتمع باكمله.
نشرت في صحيفة الشارع

هناك 14 تعليقًا: