الجمعة، 24 مارس 2006

ما يخلّفهُ رحيلُ امرأة عن منزلِ رجلٍ و دُبٍ صغير


ماجد المذحجي
لا يمكن أن تمر بسهوله مسألة من قبيل أن تترك امرأة منزل رجل ودب صغير بعد أن عبأته بالكثير من الحياة وانتزعت شّباك الوحدة المتهرئة من زوايا حجراته وزوايا روحيهما. سيتعدل الكثير من حولهما، وتولد الكثير من تفاصيل الحكايات التي أنجبتها في المكان قبل أن تتركها وتغادرها دون رعاية أمام وحش البرد والعزلة وكآبة رجل ودب وحيدين تركتهما امرأة.
مثلاً، كيف يمكن إقناع الدب الصغير الذي تشرق عينيه كلما حضنته أنها لم توعده بشيء!!؟. كيف يمكن أن أقنعه أن تلك الستائر التي أرخيها ليست ستائر الوحدة التي تلفنا دوماً، وأنني حين أهزه لا ابتغي التهوين عنه أو مسح دموعه التي تبكي رحيلها. أعلم، لم تكن امرأة فقط ابلل فيها وحدتي وأتجاذب أنا وإياها الجنس والضحك ووجبات الطعام.. كانت بهجة تركض في أوردة المكان وتترك علامات في روحي . و الملفت لي أنني لم أكن أكايد بها صديقي بل كنت انتزع بضحكتها جثث الحب التي تتكوم في قاع قلبي، حتى البرد لم ينتظر أن يخفت صوتها في المكان بل تمدد إلى فراشها وعلب ماكياجها الفارغة، وتلك المنشفة التي كانت تجفف بها رائحتي على جسدها!!.
حتى الدب يلتفت لي الأن ويسألني: بماذا ستلتصق في هذا الليل حين ترغب بالحصول على الدفء والمكايدة الممتعة؟؟. هل يكفي أن تضحك وأنت تتخيل أنك مازلت تعظ شحمة أذنها لتستيقظ غاضبه وتقول لك: حل عني!!. من يا ترى سيتنازع مع من على الالتصاق بثدييها الصغيرين مثلما كنا نفعل أنا وأنت!!؟؟
لم يكن الدب حزيناً فقط، بل أدار ظهره لي والتصق بالجدار البارد وأخفى الوحشة التي في قلبه قبل أن يصمت نهائياً ولا يخاطبني وأنا اشرب قدح الفودكا منتظراً هذا الشتاء الذي أدخلته لغرفتي باكراً.
لا يتعلق الإحساس بالفقدان بالحب فقط.. إنه يتعلق بالبهجة.. بالقدرة على استمزاجك لشخص ما وإدخاله إلى حياتك وتفاصيلك الشخصية ورغباتك الصغيرة والكبيرة. لم تعبث هذه المرأة بك وبدبك الصغير، ولكنها هزت انسجام باهت كنت تظن انك أرسيته في عالمك البائس. إنها امرأة جميله تستطيع أن تهب الجنس ببساطه فقط لكي تلمع عينيك، وتستطيع أن تدللك بان تضحك بخفه فقط، ضحكه تدلف إلى سراديب قلبك دون متاعب.. ضحكه تتوزع على تفاصيل وجهها بأكملها دون أن تشعر أن هناك أي شيء يدعي.. حتى أن الدب الصغير يخبرني دوماً انه لم يرى ضحكة تشبه ضحكتها.. ضحكه لها قدمين وتستطيع أن تتمشى بدلال في روحك!!.
حين كانت تستحم، كان الدب الصغير الملعون ينهض من جواري ويتسلل ليشاهدها من ثقب صغير في باب الحمام، كانت تنتبه له دوماً وتصرخ بي وهي تستحم أن أتي واسحب هذا الدب الملعون.. أقوم من مكاني وأنا اشعر بالحنق من هذا الدب السيء الأخلاق وحين أصل إليه يغمزني بعينه ويحرضني على التلصص معه، أقاوم في البداية وما البث أن استسلم لإغراء الفكرة وأقوم بالتلصص معه. تكتشف هي الأمر، تفتح الباب فجأة و ترمي علينا بماء بارد. نشهق باستمرار من المفاجأة وننسحب مبللين من الخيبة والماء. دوماً كلما استحمت نعود مبللين أنا وهذا الدب إلى مكاننا ونستمع بحنق إلى ضحكة تشفيها الحقيرة!!.
اخبرني الدب بعد أن غادرت انه يجب عليّ أن امتنع عن مساكنة أي امرأة جميله.. قال لي أن المسألة لا تتعلق بالأخلاق، فهو غير محافظ - هكذا اخبرني - ولكنها ستهز حياتنا المشتركة في هذا المنزل الصغير.. ونحن بحاجه هائلة للاستقرار. قال أيضاً أن النساء حين يشاركن الرجل سكنه يربكن تصوراته الصغيرة عن السعادة.. يعلمنه كيف يمكن أن يفرح فقط برائحة امرأة.. كيف أن الفارق بين استيقاظ رجل تنام بحضنه امرأة ورجل يستيقظ وحيداً هو فارق هائل لا يمكن تقديره بسهوله. أضاف على ذلك، أن المرأة كائن ذكي- وأشار لي بسخرية - فها أنت لم تكتب شيء إلا عند ما غادرت، فحين كانت موجودة اكتفيت بمحاولة إثبات كونك شخص تستطيع الكتابة بالثرثرة، وكلما طلبت منك أن تكتب شيء تغافلها بالقبل!!. ضحك وهو يقول لي انك شخص غبي، لا تستطيع استثمار حضور المرأة بقدر ما تستطيع استثمار غيابها. نصحني وهو يدير وجهه عني ويتشاغل بشيء ما في يديه لم استطع رؤيته : بأنه يجب عليّ أن أتخلص من أوهامي الشخصية، وقال كي يغيظني، أنها كانت تدللـه لشخصه وليس لأجل القبل والحديث ألفارغ الذي كنت أثرثر به أمامها!!.
الدب الملعون كان يحاول أن يتجاهل حزنه ويعزيني بالسخرية مني!!، اعلم انه حزين تماماً لأنها غادرت المنزل - دوماً يستنكر عليّ هذا الدب الوقح أن أطلق على منزلي لفظ منزل ويصر على انه ليس بأكثر من حجرتين بائستين وحمام ومطبخ ويمكن اعتبار المكان بالكثير: جحر يقطنه كاتب غبي ودب أحمق!!. كان حزيناً هذا الدب الغبي.
بعد أن غادرت بفترة اعترف لي وهو يشاركني قدح فودكا - في واحده من الحالات النادرة التي يسكر فيها - أنني لم أكن اهتم به قبل أن تسكن معنا، وأنني بدأت اهتم به بسبب الغيرة. نعم، أكد على هذا وهو يبدي غيظه، قال أن السبب الوحيد الذي جعلني اهتم به هو غيرتي منه، وأنها كانت تفضله عليّ، وكانت تنام وهي تحضنه أكثر مما تفعل معي، وان هذا الشأن هو ما جعلني التفت إليه أكثر وأدرك كم هو شخص مميز!!. اعلم انه كان سكراناً، ولقد أكد لي هذا الشأن حين اعتذر بشده وأنا أغطيه وتمنى عليّ أن لا اغضب منه لأنه قال كل هذا الكلام بسبب المشروب و لأنه يفتقدها بشده!!.
قد لا تتعلق المسالة بامرأة ورجل ودب صغير فقط.. قد تتعلق أيضاً بمجموعه هائلة من الارتباكات تحيط بالثلاثة.. على الأقل باثنين منهم إذا أتينا للدقة. لقد استطاعت امرأة أن تعيد تشكيل علاقتهم ببعضهم خلال فتره قصيرة وبكميه قليله من الانتباه لتفاصيل في حياتهم لامستها بخفه وعفويه أربكت فيه استقرارها الذي مُوضع في مكانه بسبب الصدف فقط.