الجمعة، 20 فبراير 2009

قانون المعلومات: ضمير مستتر تقديره "حماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والجبهة الداخلية"!


ماجد المذحجي
في منتصف 2007 أقرت الحكومة اليمنية تقديم مشروع "قانون حماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي" بغرض إحالته للمصادقة عليه في مجلس النواب، حيث تمتلك كتلة برلمانية مريحة تتيح لها المضي بالأمر فعلياً. قبل تحقق ذلك السيناريو قوبل هذا المشروع برد فعل عنيف من الصحافة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، حيث سيعني تحول ذلك المشروع إلى قانون نافذ توسيع الصلاحيات الأمنية وتحويلها إلى متسلط حقيقي، ومنحها أصلا قانونيا فضفاضا يتيح تأويل كل ما لا يروق الحاكم باعتباره عملا ضد الوحدة الوطنية، أو يفكك الجبهة الداخلية مثلاً. وبعد تصاعد الاحتجاج والرفض الداخلي الشديد لمشروع القانون، وجهت الضربة القاضية له من قبل المانحين، وتم تداول حديث عن تقريع عنيف وجهته الإدارة الأمريكية للوزير "الرصَّاص" أثناء قيامه بزيارة للولايات المتحدة في ذلك الحين.
المشروع السابق كان سيتيح تحويل اليمن ببساطة إلى دولة أمنية بملامح عارية، تتحكم فيها الدوائر الاستخبارية بتفسير كل ممارسة سياسية ومدنية، وتأويل كل رأي يطرح في الشأن العام، باعتباره فعلا يهدد الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، وبالتالي قمعها!
الفشل السابق لم يؤدِّ بالضرورة إلى توقف السعي في الأمر، ولكن الآن عبر إعادة مجموعة متصرف بها من نصوصه في إطار المشروع الجديد للمعلومات الذي دفعت به الحكومة مؤخراً إلى مجلس النواب، حيث تسهل قراءة المخاوف الأمنية ذاتها والرغبة بالسيطرة على المعلومات في المشروع الجديد أكثر من ضمان الحق في الحصول عليها.
تنفتح العلاقة بين المشروعين ضمن المستوى العقابي الذي يتسم بصرامة شديدة في التعامل مع نشر المعلومات والحصول عليها أو "السعي للحصول عليها"، أو الحصول عليها واستخدامها في الإضرار بـ"أمن وسلامة واستقرار المجتمع" في المشروع الجديد، أو نشر معلومات أو مقالات تعتبر "مُغرضة وتهدد السلام الداخلي والوحدة الوطنية" أو المساس بـ"الثوابت الوطنية" في المشروع (الحمائي) القديم! الفارق في هذا الشأن بين المشروعين أن الحد الأدنى في القانون الجديد بما يخص هذه "الجرائم" هو سنتان في بعض المواد، و4 أو6 سنوات في مواد أخرى، مع جعل السقف تقديرياً ومفتوحاً، بينما المشروع القديم كان متواضعاً أكثر وكان الحد الأدنى فيه عام، لكن مع رفع الحد الأعلى حتى الـ15 سنة.
تستجيب بنية المشروع الجديد للهواجس الأمنية تجاه الأداء الصحفي وأداء المنظمات المدنية والأنشطة الاحتجاجية للمتضررين من السياسات الحكومية والأمنية، ومختلف الفعاليات المعارضة، حيث ترغب بتشريع الممارسات القمعية، وإيجاد ذرائع قانونية لمصادرة الحق الضمني الذي يتوفر عليه المجتمع في نقد السياسات الحكومية والأمنية، والحصول على المعلومات، وممارسة النشاط العام بأجندة مختلفة عن الاجندة الرسمية.
إن نصوص المشروع تقيد حقوقاً قائمة ضمنياً في الحصول على المعلومات والتعامل بها. وهي ترفع اللهجة الرسمية ضد الحق الأصيل للمواطنين في معرفة ما يدور في هذه البلاد.
تتسم نصوص مشروع القانون الجديد بكونها فضفاضة، خصوصاً في الفصل الخامس المتعلق بالاستثناءات، حيث تتسع صياغة المواد في هذا الفصل بما يمنح فرصة لعملية تأويل واسعة لمضمونها، فلا تحديد واضح مثلاً لنوع وطبيعة المعلومات التي يؤدي "نشرها والإفشاء بها إلى الإضرار بالأمن القومي"، كما ورد في البند (أ) من المادة (32)، وهو ما يجعلها مفتوحة للغاية، باعتبارها ليست معلومات عسكرية من تلك التي يتعلق بها تحديداً البند (ج) في المادة نفسها، وهو ما يجعل نطاق الأمن القومي أيضاً، الذي يمكن أن تمسه المعلومات، غير معلوم أو معرف بدقة.
طبعاً هذه الصيغة الفضفاضة هي التي جعلت كل معلومة "بدون أي تحديد أبداً لنوع وطبيعة هذه المعلومات" يحتفظ بها رئيس الجمهورية ضمن هذا الاستثناء الذي لا يجب الاقتراب منه.
طبعاً تحظى المعلومات التي تخص "الأمن الداخلي والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية"، لا أعلم لماذا تم استثناء "الثوابت الوطنية"، العبارة الرسمية الأثيرة، بتنويه خاص ضمن الاستثناءات في البند (د). طبعاً مع عدم وجود مرجعية تستطيع تعريف ما هو "الأمن الداخلي" والفارق بينه وبين "القومي" مثلاً، وماذا يُعنى بـ"السلام الاجتماعي"، ومتى يُمكن وصفه بكونه مُهددا أم لا، علاوة على "الوحدة الوطنية" بالطبع، التي يوجد تصور أمني واحد لمعناها لا يستوعب تعريف الأطراف الأخرى لها في المجتمع، هذا إذا لم ندخل في محاولة توصيف نوعية المعلومات التي يُمكن أن تهدد "الأمن، والسلام، والوحدة"، ومتى يُمكن أن تشكل تهديداً بالطبع!
إنها مواد مفتوحة للغاية يُمكن أن توظف في استهداف أي رأي أو نشاط عام لا يستجيب للتصورات الرسمية التي تدير البلد، مما يجعل الحياة العامة في حالة طوارئ غير معلنة، نخضع فيها لممارسات أمنية مخيفة، تستند إلى قانون مطاط يُفسر حسب الهوى أي حصول على المعلومات ونشرها، باعتباره شكلا عدائيا، ويستبق كل ذلك بمعاقبة من سعى للحصول على معلومات يفترض أنها محظورة ضمن التحديدات الفضفاضة التي ترد في هذا المشروع (سعى ولم يحصل عليها، مجرد سعي فقط)، كما هو وارد في المادة (71) من الباب الخامس الخاص بالمخالفات والجزاءات من مشروع القانون.
إن صياغات لا يمكن ضبطها، مثل "السلام الاجتماعي" و"الثوابت الوطنية" وما إلى ذلك، تنتمي إلى المزاج الشمولي نفسه الذي حكم اليمن طويلاً، والذي يستدعي ويفعل مثل هذه الصياغات ضمن وسائل الإكراه التي يستخدمها عادةً لمطابقة الناس مع الحاكم، ولقمع أي اعتراضات على سياساته. إنها عبارات تنتمي لنموذج الدولة الفاشية، التي يصبح فيها تصور الأجهزة الأمنية لمصالح الوطن واستقراره هي المعيار الوحيد لسلامة موقف أي جهة أو فرد أو رأي، وحيث المواطن الصالح فقط هو المواطن الصامت، أو ذلك الذي يجيد الهتاف بحماسة في جوقة الزعيم الرمز.
نشرت في صحيفة النداء