الجمعة، 26 يناير 2007

في وصف التغيير والارتياب به.. هل تحول الاسلاميون فعلاً!


ماجد المذحجي
يبدو لي مؤخراً، إن من أهم التغيرات في علاقاتي الشخصية، وتحديداً ذات البعد السياسي والثقافي منها، هو تأسيس علاقات يُمكن أن توصف بالحميمة، مع أفراد "مسيسين"، وقادمين من مرجعية دينية إسلامية! وهي علاقات حميمة، لم تعكر عليّ الالتقاء الذي تم معهم، خارج منطقة التوافق المهذب، والمحروس بالمجاملة كما يُفترض. وان كنت لا انفي وجود شيء من ذلك في الأمر، فليست لدى الطرفين خبره كافية بالاختلاف الصحي، والذي يُتيح تماماً جعل الأشياء واضحة ومجرده بيننا!. بل حصل في الكثير من الأحيان، أن حدث هذا اللقاء في منطقة يتم "التنازع" بها عادةً، وجملتها الأساسية - بالمعنى النظري - هي اقرب لي، مما هي اقرب لهم، كما كنت افترض! وهو ماحررني ضمناً من "فزع" شخصي حقيقي، كان يعتري رؤيتي من هذا الفرد الإسلامي، والذي كان يبدو لي في الكثير من الأحيان غير انساني، ومجرد أنياب، ومخالب. هذه الأنياب، والمخالب، التي افترضت دوماً - وبشكل مسبق وتلقائي - أنها جاهزة لنهش لحمي مباشرة، فور اختلافي معه! وهو موقف - برأي الشخصي - له علاقة حميمة مع ارتيابي، ونفوري المعتاد، من المزاج المحافظ الذي يُميز موقف الإسلاميين الاجتماعي والثقافي قبل السياسي، والذي يُفزع أي فرد ينتمي لخيارات مدنية، وخصوصاً ذات بعد اجتماعي وثقافي. إضافة إلى تناسل هذا "الفزع" الشخصي من حذر كبير، أنتجته عقود من التناحر الدموي. وهو التناحر الذي ميز ارث العلاقة بين اليسار -الذي انتمي له نظرياً وعاطفياً في بعض المستويات- والقوى الإسلامية، والذي امتدت مفاعليه على المستوى المحلي، وبشكل جلي، حتى عهد قريب (حرب صيف 1994). ناهيك عن السلبية، وعدم القدرة أو الرغبة سابقاً، في تجاوز افتراض اجتماعي شائع وضاغط بقوة على الطرفين، يتمحور حول طلاق، وخصام ابدي، يجب أن يُميز علاقتهما، وأي موقف قد يحضران فيه، أو فكرة قد يتحاوران عليها. وهو افتراض لا يتقبل بسهولة أي فكرة معاكسه له، واستطاع تجذير حضوره، في أي تقدير لاحق لمصير ما قد يجمع بين الاثنين، وفي أي ظرف كان!؟ (ألا يبدو ذلك الاستغراب، الذي ميز موقف الجمهور من اللقاء المشترك، والذي جمع بين الإصلاح والاشتراكي بشكل رئيسي، جزء ونتيجة من هذا الافتراض الاجتماعي المسبق، وهو الشأن الذي كان المؤتمر الشعبي، يغذيه ويستثمره في الانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة بشكل ذكي!). وبالطبع، لا يمكن أيضاً تجاوز الخبرات، والذكريات الشخصية القريبة، للكثير من الأفراد المنتمين للوسط المحيط بي (وهم من تيارات وأوساط مختلفة بالمعنى السياسي والثقافي، بعضها محافظ، ولكنه ليس متدين) في ما يتعلق بالعلاقة التي جمعتهم مع "مطاوعة". وهي خبرة، وذكريات، مليئة بتعارضات وصدامات حادة معهم (كتلك التي حدثت في عقد التسعينات، بين الناشطين الطلابيين الإسلاميين، ومجموعات من تيارات أخرى في الجامعة، أثناء قيام الأول، بمنع الثاني، من إقامة احتفالات غير "ملتزمة"، أو رحلات جماعية "مختلطة "، غير متقيدة بالضوابط الشرعية)، وهذا الأمر من الشؤون التي رتبت ارث من الشك العميق، وأفسدت ضمناً أي تواصل مع "الإسلامي" في الكثير من الظروف، وأشاعت بشكل كبير - وتعميمي - هذا الانطباع الشرس عنه. مع تأكيدي أيضاً، على عنصر إضافي في هذه المسألة، يتعلق تحديداً بانغلاق الإسلامي في صدفة عقائدية شديدة الحماية لمنظومته النظرية، واستقراره اليقيني، تجاه الأخريين (طبعاً، لا يمكن إنكار الانغلاق الذي ميز أيضاً اليساريين والقوميين في فترات سابقة، والذي تحرر كثيرين منهم، من جزء كبير منه لاحقاً)، وخصوصاً ممن صنفهم بـ "العلمانيين" من الأحزاب الأخرى، أو الأفراد ذوي التوجهات المناهضة لاختياراته. وعدم تجاوزه لهذا الموقع شديد الثبات والمتجهم، إلا مؤخراً، وبقرار "تنظيمي"، ذو خلفيه سياسية، للانفتاح على الأخريين، بعد انكشاف الغطاء "السلطوي" عنه، وفك التحالف التاريخي الذي جمعه مع مؤسسات السلطة، ولطبيعة الضرورات السياسية التي استدعت إنشاء علاقات مع القوى الأخرى، لتعزيز موقعه الجديد في العمل السياسي العام. طبعاً، رتبت هذه "الإتاحة" التنظيمية - رغم أنها مشروطة سياسياً بظرف جديد فقط، وغير مؤسسة على تحول نظري - للأفراد الإسلاميين تواصل سياسي، واجتماعي، وثقافي مهم، كان له تداعيات ايجابية على العديد منهم، من ناحية تعزيز التحول في التفكير بشكل ما، والانفتاح قليلاً على جملة "الخصوم" النظرية، والسياسية، وتغيير الخطاب التقليدي الذي ميزهم، ذو النبرة الدعوية والفقهية، باتجاه خطاب أكثر انتماءاً لمفردات الزمن الراهن، ويستبطن جزء من أولوياته الديمقراطية والحقوقية. ولكن هذا السلوك السياسي الجديد، ولكونه غير مؤصل نظرياً، أو مبرر فقهياً وفق منظومتهم التعبيرية، فأنه كما انشأ تحولات ايجابية، رتب أيضاً ردود سلبية، عكسية، ومستنفرة لدى العديد من الإفراد، سواء كانوا ملتزمين تنظيمين، أو مجرد مناصرين، والذي تصادمت التحالفات الجديدة لتنظيمهم السياسي "الإصلاح" - الذي يُفترض به تحقيق تصورهم الديني النقي للدولة، والشريعة، والمجتمع - مع القوى الأخرى، وتحديداً "الاشتراكي" منها، مع قناعتهم المحروسة برأسمال محافظ ومتجهم، وارث راسخ من العداء، لم يستطع في المجمل تقبل هذا "الإخوة" الجديدة مع "العلمانيين" و "الشيوعيين"!، وهو ما استدعى اعتراضات متعددة لديهم، كان أبرزها، وأكثرها حده ووضوح، اغتيال جارالله عمر، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، والذي كان المبادر الأبرز تجاه الإصلاح، والسياسي المحنك الذي استطاع زحزحته من موقعه التقليدي، باتجاه خصومه السابقين، وكان مُهندس البناء السياسي الجديد في الساحة اليمنية، والذي سيصبح لاحقاً ما عرف باللقاء المشترك. وهو الاغتيال البشع، الذي كان أحد أهدافه - كما صرح به منفذه علي جارالله السعواني - تنبيه قيادات الإصلاح للخطاء "الشرعي" الذي يغرقون فيه، وفك التحالف مع الاشتراكي.
إذاً، كانت هذه العلاقة الجديدة مع الإسلامي، تغيراً مهماً وملفتاً بالنسبة لي، وبقدر ما أسعدني هذا التواصل مع تعبير كان مُغلق بشده أمامي، وحررني من جزء كبير من حمولة الفزع  منه، فانه استدعى توقف مهم لي تجاه ما ترتبه هذه العلاقة معه - وربما أي علاقة يقيمها الأخريين - على المستوى الفردي والعام (وهنا ستتعلق تساؤلاتي بالفرد الإصلاحي، أكثر من الفرد الإسلامي بعموميته، وتعدد انتماءاته، ومواقفه الفقهية، والسياسية. والذي تتمايز فيه "إسلامية" الأول، عن "إسلامية" الثاني بتفصيل واضح، وهي ارتباطها لدى الأول بمرجعية سياسية وفقهية يُمكن تعيينها، بينما تتناثر لدى الثاني بشكل واضح!). إذاً، أثارت هذه العلاقة الجديدة تساؤلات عن حقيقة التغيرات التي حدثت لدى هذا الإسلامي، ولدى "ضده" المفترض، وعن جذرها الثقافي، وحقيقة الدور الذي لعبته الحاجة " السياسية الجديدة فيها، وماذا ستحدثه هذه التغيرات من نتائج مختلفة على كافة المستويات؟! بالإضافة إلى تساؤل حول الأثر الذي ستخلفه هذه التغيرات على المواقف التقليدية التي يتخذها بالعادة، وخصوصاً من قضايا شائكة فعلاً، وتميز موقفه، وسلوكه تجاهها بنبرة اعتراضية حادة، مثل الحريات الاجتماعية، ومدى الحرية الشخصية المُتاحة للفرد، خصوصاً في حين تعارض بعض مفرداتها مع "النواهي" الدينية، أو "المفترض" الشرعي لديه؟ ولا يمكن تجنب استفسار أخر مهم، يتعلق بتفحص حقيقة موقفه غير التصعيدي منها الان، فهل هو موقف أصيل يُفصح عن تغيير حقيقي، أم هو مجرد موقف "برجماتي" مؤقت، استدعته مجموعة الارتباطات والتحالفات السياسية الجديدة، والرغبة بعدم كشف أي نبره أصولية حادة، ضمن مزاج "التقية" بشكل ما، لكي لا تشعر قوى كثيرة بالتوجس منهم. خصوصاً أن الإسلاميين اليمنيين، وتحديداً الإصلاح إذا تجاهلنا الجماعات الإرهابية، مازالوا قيد نظر متفحص ومتشكك بشده، من جهات دولية وإقليميه (الولايات المتحدة أبرزها). وهي، وان كانت ترحب بـ "اعتداله"، والذي يشكل تحالفه مع الاشتراكي تأكيداً مهماً عليه، وغطاءاً سياسياً يستثمره  الإصلاح بشكل ذكي في هذا الشأن، إلا أن هذه الجهات، ذات الأجندة الأمنية والسياسية المناهضة للإسلاميين، تستطبطن ريبه شديدة به، يُحرض إلحاحها عليه، ذلك الارتباط القديم، والوثيق، لبعض عناصره القيادية، مع مرحلة "الجهاد الأفغاني" في البداية، ولاحقاً مع القاعدة وقياديها. بالإضافة إلى رعاية الإصلاح الضمنية لـ جامعة الإيمان، والتي يترأسها رئيس مجلس شورى الإصلاح "اللجنة المركزية"، الشيخ/ عبد المجيد الزنداني. وهي الجامعة المتهمة ضمناً بتخريج "التكفيريين" في العالم الإسلامي، وتعد الثانية من حيث الأهمية في هذا الشأن بعد المدارس الدينية في باكستان! ناهيك عن كون الزنداني ذاته، شخص رئيسي في القوائم الأممية الخاصة بالمطلوبين الإسلاميين، والتي تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في تحديد المُضافين إليها.
إن هذه الأسئلة المتشعبة، هي جزء من محاولتي لإنقاذ "رأيّ" من التداعي العاطفي، والاحتفاء الشخصي بالأصدقاء الجدد، ذوي الخلفيات الإسلامية، والذي لا يكفي تحولهم الذاتي، لتشكيل حكم معياري على تحول حقيقي قد تم لدى الإسلاميين عامه. خصوصاً وان اغلب هؤلاء الأشخاص، هم من النخب الثقافية، أو ذوي الاهتمام بحقول الثقافة المتعددة، بنو ارتباط وثيق مع الشأن المعرفي، وارسوا علاقة إنسانية مع إفراد من تيارات أخرى، جزء كبير منهم ذوي موقف ثقافي نقدي ومنفتح، وهو ما أتاح لهم - عبر جهد مستمر وتراكمي - تطوير نقدية شخصية عاليه، فككت ارتباطهم - بدرجة ما - مع ارثهم المتجهم! بالإضافة إلى هذا التمييز الضيق، الذي يخص بعض الأفراد منهم، كانت هذه الأسئلة تحاول أن تتحقق من حقيقة تقدير غالب وشائع مؤخراً بشده، يميل إلى وصف الإسلاميين - كأفراد وتيارات سياسية - بـ التحديثين على المستوى السياسي، و " المحافظين " على المستوى الاجتماعي والثقافي. مما يُرتبه هذا من انتقائية في سلوكيتهم، وموقفهم العام، وهو الموقف الذي يُمكن أن يوصف بـ "الانتهازي" و "المتسلق" إذا صح هذا التقدير؟! كونهم يُفاضلون وفق المصلحة الآنية، وتصبح مسألة مثل الديمقراطية، والحقوق المدنية، والسياسية للأفراد، والمجموعات مثلاً، موضوع أولوية شديدة لهم، يدافعون عنه بشده، حين يكون محور العمل عليها في الحقل السياسي فقط، بينما تنتفي هذه الأولوية في الدفع بها، وحمايتها، والتحريض عليها، حين تمتد لتشمل الحقل الاجتماعي، والثقافي، والحريات الشخصية، لان موقفهم منها متحفظ، وربما عدائي على الأغلب. أي أن موقفهم من الحرية، والديمقراطية، ومنظومة الحقوق العامة والفردية، يتعلق تحديداً بكونها فرصه لتمكينهم سياسياً وفق هذا الوصف، لا لكونها فرصه للتمكين العام، والتحديث الحقيقي لمناخ المجتمع، والذي قد يُتيح لفئات وأفراد مختلفين عنهم، الحصول على فرصه للتعبير عن أنفسهم، خصوصاً في مناطق هم يعتبرون أوصياء على تصنيفها الأخلاقي والشرعي! ما أوردته في السطور السابقة، هي استنتاجات مُسبقة، وقد تكون متجنية عليهم، لكنها احد عناصر التقدير الشائع عنهم، والمتشكك بـ " مصداقيتهم " الديمقراطية، والتي أميل لأخذها بعين الاعتبار أثناء " نظري " لهم، فسلوكهم يُربك في العادة، ويشوش على أي تقييم يحاول تفحص موقفهم من القضايا المختلفة، فكونهم اشتغالهم الموصوف بـ " لتحديثي" هو سياسي تماماً - والعمل السياسي هو موضع الأهمية والتركيز، وأيضاً مليء بالضجيج، ويستغرق الانتباه، ومجرد من العمق في الغالب منه - فأنهم لا يطالبون بذات "التحديثية" والاندفاع التغيري في القضايا الأخرى، إما لكون السياسي يستهلك الأولوية، ويشتت الانتباه تجاه المسائل الأخرى. أو لأنه يتم تأجيل الحديث والمكاشفة معهم، تجاه هذه الموضوعات والقضايا، ضمن موقف "برجماتي" من القوى الأخرى - وخصوصاً الحليفة معهم سياسياً - يميل إلى تقدير أن هذه التحديثية السياسية لديهم، ستؤدي إلى خلق تحديثية مُرادفه في الموضوعات الأخرى بالضرورة! وأن كانوا يقرون بان ذلك سيستغرق زمن أطول. وبالتالي فلا حاجة لإفزاعهم، وخلق ضغوط عليهم، أكثر من احتمالهم، تدفعهم للنفور، وتعزز من التشككات القديمة - والحية - لدى الجناح المحافظ، أو الأصولي لديهم. والذي يتسول أي مبرر لتعزيز اعتراضه على هذا المزاج السياسي الجديد في تنظيمه السياسي "الإصلاح"، وعلى طبيعة هذه التحالفات المعقودة مع خصومهم التاريخين بالمعنى الإيديولوجي، حتى وان كان يُفترض انتهاء هذه الخصومة بالمعنى الزمني والواقعي، فلقد حدثت تحولات متعددة وجذريه، لم يعد فيها هذا الخصم بنفس السياق الإيديولوجي السابق. ذلك السياق الذي تموضعوا في مواجهته سابقاً (قبل الوحدة، وحتى النصف الثاني من التسعينات)، ضمن وظائف "عقائدية" و "أمنية" نهضوا بها، وكانت تحرضهم بشده عليه. وفي هذا الفهم "المسيس"، ذو الصفة البرجماتية في التعامل معهم، خصوصاً من قبل شركائهم الحاليين، استبطان لشروط الحاجة لهم، باعتبارهم قوة سياسية ذات امتداد شعبي هائل ومنظم، رغم تصدع هذا الانطباع المتضخم عنهم بشده في العملية الانتخابية الأخيرة، بما تستتبعه هذه الحاجة من تنازلات لدى هؤلاء الشركاء، قد تأتي على حساب الكثير من التفاصيل التي تمثل رأسمالهم الرمزي!
في العموم، لا يُمكن الإشارة باطمئنان لموقع واضح يحضر فيه الإسلاميين حالياً، وخارج الانطباع الشخصي المريح للتحولات التي مر بها أفراد منهم، جعلتهم خارج ارثهم السابق بشكل ما، بما يُقرن به هذا الإرث من فزع لدى القوى ذات الهوية المدنية، لا يمكن الاكتفاء بالتحول السياسي الايجابي في موقفهم، أو بنعومة لهجتهم تجاه الحريات الاجتماعية، وانخفاض النبرة الأصولية في موقفهم الثقافي! ثمة حاجه واضحة لتدشين عهد جديد، وتأسيس عقد واضح معهم، يُنقذ هذه التفاصيل من التجاذبات، ويبعدها عن الاهتزازات التي قد تنتجها التحولات في الظروف السياسية العامة. فكون خطابهم، وبرنامجهم، وعملهم يستثمر المنطقة الأكثر خطورة في الوعي العام (الدين)، فنحن نحتاج إلى أن يكونوا أكثر وضوحاً، مثلاً في موقفهم من خصوصية علاقة الأفراد باختياراتهم، ومدى الحماية المحققة للفرد لتحقيق ذلك. وحراسة الحريات الاجتماعية من أي موقف أصولي معقد قد يقوم بقضمها. وتعزيز تحولهم السياسي الايجابي، ذو الهوية الذكوريه حتى الان، بتمكين المرأة فيه، واحترام حقوقها خارج التفسيرات الفقهية التقليدية، وأن يكونوا ضمن الإجماع العالمي في هذا الشأن. إن الوضوح في هذه التفاصيل والقضايا، وإشهارها ضمن تأصيلهم النظري، لا جعلها حاضره مؤقتاً، ضمن موقف سياسي متبدل، والتلاعب بها كورقة في ظل احتياج طارئ للقوى المدنية، سيُمكن المجتمع من حماية نفسه من أي نزوع متطرف مُفاجئ، ويحصن حقوق المختلفين، ويجعل التنافس السياسي مُحرراً من الفزع الأصولي، ويجذر الحرية كمنطقة تعاقد وإجماع لكل القوى.
نشرت في صحيفة النداء

السبت، 6 يناير 2007

رأسمال المجموع.. إعدام صدام حسين وتغذية نموذج البطل!



ماجد المذحجي
تخبرنا التراجيديا الانفعالية الحادة، التي ميزت عموم التلقي الشعبي العربي لعملية إعدام صدام حسين، كم هو الاحتياج أصيل في المزاج العام لبطل!!. وهو انفعال وهياج قائم في هذا الحدث، ويستبطن هذه الرغبة، بغض النظر عن ذلك التشفي البغيض، والمهيج للمشاعر، الذي رافق هذا الإعدام كسبب مباشر له.
إن هذه الرغبة العارمة بالاحتفاء ببطل، و شهيد، كانت صامته ومدفونة منذ أخر العهد بالثورات العربية ضد الاستعمار، وتلك المشاهد الحماسية لإعدام الثوار بالساحات، والتي تستعيدها الذاكرة الجماعية بإصرار وافتتان. ويبدو أن هذا البطل الشهيد، رمز الوطن والقضية والكرامة المفترضة، لم يعد يُكتفا باستعادته، وملئ الفراغ الذي خلفه، عبر الدراما التلفزيونية العربية، التي بدأت تستنزفه، وتكرره، وتقتل نموذجه الاستثنائي بالنسبة للجماهير. واستعادته هي ليست حاجة طارئه، بل حقيقية يتغذى عليها المخيال العربي شديد العطش لهكذا نموذج. فجزء أساسي من احتمال "العربي"، وقدرته على التعايش المضني فعلاً مع هذا الخذلان العام، على كافة المستويات والمجالات، الذي يستولي على حياته، يكمن في استبطان يقيني لديه، يرهن انتصاره على كل ذلك بعودة البطل المخلص!!. فالحل لتجاوز هذا الخذلان بالنسبة له، لا يمكن أن يصبح أبداً في تنشيط ممارسه نقدية تجاه جذور "الحال"، أو في سعي فردي، وجماعي لابتكار الخيارات، وتنفيذ أفكار متنوعة تنقذه مما هو عليه، بل هو كامن في هذا المخلص القومي أو الديني المبشر به في الميثولوجيا الدينية والشعبية شديدة الرسوخ في المخيال العام. إنه ذلك الفرد الخارق، النبي في القوم، والذي فيه تتكثف مصائر المجموع وأحلامه، ودونه يصبح البيت بلا عمود، والقطيع بلا راعي، كما تحب البلاغة السائدة أن تصف الحال في غيابه، أو انتظاره!!.
نفذ الإعدام في صدام حسين شنقاً، ورغم انه لم ينفذ في ساحة عامه، فقد تكفل التلفاز بتحويل ساحة كل منزل في أرجاء المعمورة لساحة عامه مليئة بالانفعال الحماسي، وهو كان متحدياً حتى اللحظة الأخيرة، تحدي من لم يعد لديه ما يخسره، ولم يتبقى لديه سوى تسجيل هذا الموقف الأخير. وكان في ذلك تقاطعاً فريداً من حيث المشهد مع واقعة إعدام عمر المختار، النموذج الأشهر عربياً للبطل الشهيد الذي تم إعدامه شنقاً. وهو الذي تمت استعادة مشهدية إعدامه "البطولية" في السينما العربية بشكل لافت، مما زرعها عميقاً في وعي الناس، وجعلها مصيراً مشتهى لأي بطل. وهو تقاطع غذى بشكل سري من رمزية إعدام صدام، وعزز من هذه الاحتفائيه الحزينة به، خصوصاً وان "العرب" لم يتلقوا منذ فترة طويلة موتاً حماسياً، وحزيناً، وشديد الرمزية بهذا القدر الذي حدث صبيحة أول أيام عيد الأضحى. لقد تم تحويل صدام حسين إلى شهيد، وتم إنقاذه بهذا الإعدام من دائرة التنازع حول سيرته، لينقل إلى دائرة الإجماع بموته.
الإجماع الذي خلصه من سجل خطاياه المأساوية، ليحتفي به الان كبطل وشجاع. البطل الشجاع الذي حتى ولو طوح بسيفه في الاتجاه الخطأ، وقتل أبرياء، يبقى البطل. والذي تحميه شجاعته من المُسألة، والإدانة. ويتم تثبيت نبل القضية المفترضة الذي يُمثلها بإثبات كونه شجاعاً حتى لحظته الأخيرة، وهي لحظه "تجب" ما قبلها، وحتى ضحايا أخطاءه يغفرون له، فالمسألة لم تعد شخصية بعد ذلك، فهذه الشجاعة تصبح جزء من رأسمال المجموع، ورمزية وجوده، والتي يُضحى لصالحها بكل غالي وعزيز!!.
ألا يبدو (مشعان الجبوري) صاحب قناة الزوراء، وصحيفة الاتجاه الأخر، والمعارض العتيد لنظام صدام حسين، الذي قتل أخاه، وأخريين من أفراد عائلته، نموذجاً لذلك، شخصاً يهب ثأره لثار الجماعة، فقط لان خصمه أصبح بطلها. لقد تماهى كضحية في جلاده، لان جلاده شجاع، ولكونه رمز للتحدي ضد الجلادين الجدد، ولأنه تحول بكل ذلك إلى بطل وشهيد، قدم قرباناً عن الأمة، وفي دمه الذي أريق يُهدر عزها.
اعترض شخصياً على الإعدام كأداة عقابية لأسباب مختلفة، ولكن لست في موقع نقاش أسباب ذلك الان، وامتداداً لهذا اعترض على إعدام صادم حسين، وبرأيّ أن هذا الإعدام، اعدم أيضاً الرمزية الشديدة التي كان يمكن أن ينتجها مثلاً "حبس" أول زعيم عربي، لسلوكه الديكتاتوري وأخطاءه السياسية، وبدل أن تكون هذه المحاكمة مدخلاً لمحاكمة حقبة ما بعد الاستقلال العربي، بأخطائها المدمرة لمستقبل هذه المنطقة وحاضرها، فهي بقرار الإعدام الغبي، حولت هذه الحقبة لمنطقة مُغلقة، وأنتجت حماية رمزية شديدة الفعالية لمجموعة من رموزها "النضاليين" بكل ديكتاتوريتهم، وأصبح من الكفاية لإنقاذ أي واحد منهم من المُسألة استعادة اعتراضاته البلاغية ضد أمريكا، حتى ول استتبع ذلك إفراغ بلده من كل مقومات الحياة، وتخريبها تماماً. فهي الشيطان الأكبر، وأخطائهم على جسامتها كانت "مقاومة" يجب احترامها، وحتى تقديسها، مهما كانت فاتورتها مكلفه!!.
إن المرجعية الضمنية لهذا العطش لبطل وشهيد، تكمن في ثقافة وموروث يُعلي من قيم الموت أكثر من الحياة، ويؤكد على رمزية القضايا المقترنة ببذل الروح، أكثر من تلك التي ترتبط بالحفاظ عليها، وهي ثقافة يصمت فيها الفرد، ويغيب مصيره الشخصي،و لا تُعلى قيمته سوى حين يتمثل " العام " فيه، وينطق باسمه في لحظات الأزمة، حيث يصبح شرف المجموع مُعلقاً إلى نبرته الصوتية، ومقدار ارتفاعها في الذود عنه لا أكثر. وهي ثقافة متبطله وكسولة، تكتفي بالاستعادة الدرامية لمصير شهدائها، ورمزية تضحيتهم عنها، وتتغذى من تكرار التفجع عليهم، والاستيلاء على حياة الناس بتقديسهم!!.
 نشرت في موقع عناوين ثقافية

الأربعاء، 3 يناير 2007

26/12/2006 ليلة للغبار


ماجد المذحجي
حزين.. أو ما يشبه ذلك!
أو ربما ارغب بالحزن. منذ فترة طويلة لم اُخلص لحزني، كنت افعل ذلك في سوريا.. كنت لا احرس مشاعري بأي شيء، واتركها تتعثر بما يُربكها، ويؤلمها، ويُشعرها بالسعادة. غبية تبدوا هناك.. وفجة. ولكنها كافية لأشعر بي حياً، وغير مسكوناً بالرعب من أي شيء. أتعثر الان بكل شيء حولي، وأصبحت مُصاغاً بعناية من الاهتمام الذي أريده.. ومسكوناً بفزع الأخريين، مُعطل بهم، وغير حر بالمرة. أتلفت كثيراً حولي، و أتشمم روائح الشوارع بفزع خشية أن تتسخ خطواتي
لم اعد اشعر بالأمان تجاه قدمي، وأخشى تعثرها وهي تريد أن تركض عمياء للأمام، ولا تعرف إلى أين تدلني؟!. خائف، ومفزوع، وأريد إنكار كل شيء.. حتى وجهي!!.
وحدي الان في ليل صنعاء، معزول حتى العظم في مكتب بارد. مُربك، وحزين، ويلفني ليل كثيف لا أغنية تخدش وجهه، أو تبدده!. أطرافي أصابعي باردة. روحي مغصوصه ومكشوفة لغربة ثقيلة. وترتطم الذكريات بجمجمتي كأنها حجارة غاضبة. لاشيء افعله سوى النقر على مفاتيح الكيبورد بعماء كامل.. وتدخين السجائر بشره من سيذهب لموته الأخير. أدخن كأنني أدخن أعصابي. أتخيل أنني اسحب أعصابي من جسدي، اطويها بأصابعي، واحشوها بكل ذلك الكلام التالف الذي تخبأ طويلاً فيها. وأشعلها بعود كبريت وحيد... وشامت.
اشتاق للكثيرين. كل أولئك الذين تركتهم.. وابتعدت عنهم، رغم أنهم منحوني كل ما اشتاقه الان، وجافيته بقسوة حين غادرت. ربما فعلت ذلك كي احرس نفسي من الم المسافة.. منهم.. من ضحكاتهم.. من أصابعهم طرية تُمسك بقلبي فتدمع عينايّ. ليس هذا مبررا كافياً لخذلانهم، ولكنني اضعف بهم.. حين أحدثهم.. حين أتذكرهم. واكتشف كما أنا غريب هنا في هذه البلاد، ولا يربطني بها سوى الطريق إلى قبري.
أشعر أنني متروك هنا.. لوحدي.. لا احد معي.. ولا احد يرغب بان يكون معي. أجدف بيدين عاريتين في مواجهة حياة كاملة فاجأتني بأنها موجودة وقاسية.. وأنني لم أكن اعلم بها!!.
كنتُ غبياً، أو ربما سافلاً، أو ربما لم افهم حزنها، و لكني اشتاق لضحكتها الان. تلك التي تركت المقعد المجاور لي وهي تلتفت بألم وتخبرني: لا تحاول أن تتصل أبداً. لا شيء يضيئني الان. لا ليل في صنعاء دونها. لا شيء ينقذني منه ومن برده.. من صوتها يثقب جمجمتي ولا ينام. روحي مُنهكة من غيابها وغضبها. وأتألم من كل شيء، وابتل بالحزن تماماً كلما غدرت بي هذه الشوارع السافلة ولم تدلني عليها. لماذا لم أصادفها حتى الان.. لماذا أتفاجئ بوجهها في كل مكان رغم غيابها.. ولماذا أتذرع بكل شيء كي أراها ولا استطيع!!؟. هذا أنا إذاً: ناقماً عليّ.. مهزوم مني.. وغريبا دونها.
ياااه، إنها ليلة عيد ميلادي، 26/12، أتهيأ منذ الليلة التي قبلها لمواجهة اكتئابها المعتاد، واقنع نفسي أنني سأكون سعيداً لمبررات كثيرة، أحاول أن أعدها كي اقنع نفسي.. واخسر ذلك. يُزعجني أن اكتئب دوماً في هذه الليلة، وأعاهد نفسي باستمرار أنني سأفلت من هذا الاكتئاب في العام القادم.. ولا افعل؟!. أدحرج نفسي في الشوارع منذ الصباح.. اذهب لمكتبي.. اخرج منه..أتحرك .. هنا.. هناك.. ولاشيء يبعث على التعزية، لاشيء مميز. يُمكنك أن ترمي نفسك احتجاجاً تحت إطارات عابره ولن يكترث احد من حولك. كم أنا سيء، ولا افهم لماذا يؤلمني احتفال الناس في العالم بأكمله برجل ميت!!؟.
يسووووع، لقد مات أو غادر نحو السماء. لا اعلم!!؟. لكنهم يشعلون كل تلك الشموع لأجله. يزينون شجرته. يرفعون الأنخاب. يرقصون. يقبلون بعض. يتبادلون الهدايا. وكلهم يرددون ذلك: " هابي كريسماس ". ويتمنون أن يعرف يسوع كم هم سعداء به، ويشتاقون له.
لا احد سعيد بي سوى نفسي.. وفي هذه الليلة بالذات حتى هي تعافني!. سرق مني يسوع عيد ميلادي. لم يكن عطوفاً حين فعل ذلك، لم ينتبه لي. سرقه بكل بساطه وغادر للسماء. وهانا اركل الحصى.. اعد الفرح الغريب في عيون الآخرين، وأهز رأسي بانتظام وأنا أقول: ( شكرا لاهتمامك )، لكل من يهنئني بعيد ميلادي. كم أبدو مُحايداً تماماً، وكأنما الأمر لا يخصني، وكأنني استلم شهادة تقدير ما، نيابة عن شخص ما، لم يستطع الحضور فقط؟!
نشرت في موقع جدار