الثلاثاء، 6 سبتمبر 2005

عن رواية غرفة السماء: الضجر الأنثوي والجملة الناقصة

ماجد المذحجي
العنوان
(غرفة السماء) الصادرة في الـ 2004 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر هي الرواية الأولى للكاتبة الكويتية ميس خالد العثمان بعد مجموعتين قصصيتين هما (عبث) في الـ 2001 و(أشياؤها الصغيرة) في الـ 2003.
عنوان الرواية ملتو.. غير فاضح.. وأن يعزز نفسه بلوحة الغلاف الذي يشير إلى مزاج الرواية بشكل أوضح (لوحة الغلاف لـ طليعة الخريس – الكويت) وهو يهيئ القارئ إلى تلمس مشهد أولي له علاقة بالكويت القديمة.. أي انه يفصح عن أن الحدث الذي ستبني الرواية هيكلها اعتماداً عليها والتي سينشئ ضمنها. أي الجغرافية النفسية والمكانية القديمة زمنياً للكويت (ما قبل النفط).
أن العنوان يمنح إحساس محايد.. لا يربك ويدفعك للسؤال .. لا يغوي ولا يجعلك تترك العمل أيضاً.. لا يمنح مؤشرات كافيه لوحده.. ولكنه أيضاً يدفع للتفكير!!.

عن المقدمة والإهداء وبيت الشعر والتقديم!
اعتقد دوماً أن العمل الأدبي يجب أن يتخلص من أي إشارات غير العنوان والإهداء بالأكثر.
إن خلق أكثر من غطاء قبل الدخول إلى المتن يربك القارئ.. ولا يمنحه فرصه لخلق تصور مختلف غير ذلك الذي يتم تمريره عبر الأغطية التي تسبق النص الأصلي.
إن العوازل الأولية قبل النص الأصلي تفقد القارئ علاقته البريئة به حيث تقوم بتسريب إشاراتها له مسبقاً بحيث تقود تلقيه نحو منطقه واحده فقط في العمل هي منطقة التركيز الذي يريد الكاتب للقارئ العمل على تلقيها فقط. في هذه الرواية يبدأ العمل بعد الغلاف بالمقدمة....
(قد يجد القارئ أن المرأة هنا ليست شخصية من شخصيات الرواية فقط إنما هي الرواية ذاتها.. لأنها منها وعنها وتسير بها!
حتى أن المرأة هنا هي الراوي ذاته..
إليكم عذاباتها، قلقها،خوفها وشيء من فرحها..
ألمؤلفه)
إن خلق تحيزات مسبقة لدى القارئ مالم تكن لضرورة فنيه مسبقة تعطل تواصله لصالح قرار لم يتخذه.. أن تعرية العمل من أي شيء خارجي عنه يخلق حيوية أكبر له.
بعد المقدمة يأتي بيت عمودي للشاعر خليل مطران كمدخل ثاني تقود به الكاتبة القارئ إلى مقولات العمل.. ولاحقاً يأتي الإهداء كمدخل ثالث.. وهو جميل للغاية ومحايد بالنسبة للعمل ومريح (شخصياً تعاطفت مع الإهداء بشده) وأخيراً يأتي التقديم وهو رابع مدخل إلى النص (هذا إذا استثنينا عنوان الرواية وغلافها باعتبارها مدخلين أساسيين لا يمكن الاستغناء عنهما). إذاً فلدينا أربع مداخل فرعيه غير المدخلين الأساسيين لقراءة رواية واحده.
أعتقد أن هذا يظلم الرواية بصدق.

مقولات النص
تدور الرواية في عالم الكويت ما قبل النفط.. في مجتمع معتمد اقتصادياً بشكل تام على البحر.. وتتشابك خيوط العمل بين رصدها لملامح البيئة الكويتية عبر الأشعار القديمة ووصف السوق والمنزل والعلاقات وبين المتن الأساسي للعمل الذي يعتمد على قراءة الصوت الأنثوي في فضاء مغلق ذكورياً عبر علاقة آمنة بـ سليمان وتهيؤات هذه العلاقة بعد موته. و (بدرية) التي اضطرت للزواج من رجل أخر بعد طلاقها لكي تبقى قريبة من ابنتها الصغيرة التي تسكن مع عمتها في البيت المجاور لبيت زوجها الجديد.
تأتي شخصية الجدة أيضاً نموذجاً نسوياً أخراً للمرأة في مجتمع مغلق حين تتبنى أخلاق الجلاد/ الذكر وتتحول إلى صوت ذكوري مخيف يستمتع مثلاً لاضطهاد بنات جلدتها من النساء، فهي مثلاً تستمع للغاية بضرب ابنها لزوجته وتحرض عليه! هذا بالإضافة إلى شخصية أخرى لازمه وهي (منيرة) اللعوب التي تغوي الرجال وتقوم بالمشاكل في المنزل، باعتبار أن الفساد كلي ولا يتجزأ، فاللعوب هي من تثير المشاكل بالضرورة.
هنالك أيضاً (فضة) الزوجة المكسورة تماماً والتي ترتبك تماماً لصوت زوجها الذي يمعن في إذلالها فتمعن في إرضائه!
إن المقولة الأساسية النص هي عن المرأة في كويت ما قبل النفط.. بالإضافة إلى تسريب ملامح عن نسق المعيشة الفقير المعتمد تماماً على البحر بكل مضاعفات هذه الاعتماد على البحر.. من غياب للرجال لفترات طويلة واحتمال فكرة موتهم وعدم عودتهم ( وحتى هنا فالتركيز كان مضاعفاً على اثر ذلك الغياب واحتمالات الموت على النساء من قبل الكاتبة ).
إن رصد هذا المشهد النسوي يتم عبر سرد سلس ولغة ممتعه وخفيفة.. لكن تأتي المشكلة بعدم منح مساحه للشخصيات الأخرى.. فهناك ظل لكل النساء الأخريات لصالح (آمنه)، وحتى (آمنة) لم يتم منحها فرصة للتطور أو يتم منحنا فرصه للاطلاع على مناطق أخرى في الشخصية غير عواطفها وانفعالاتها العالية في علاقتها بالأخريين.
إن عدم تحرير الشخصيات ومنحهم فرصه للتطور ظلمهم بشكل قاسي خصوصاً وان اختيار الكاتبة وقع على نماذج جميله للغاية خصوصاً نموذج مثل الجدة ومنيرة وفضة (أنا شخصياً لم أعجب بشخصية بدرية المتخيلة جداً). اعتقد أن تحريك دائرة الحدث أيضاً كان سيفتح أفقا أكثر رحابه.. وسيتيح للكاتبة التصرف أكثر بالشخصيات وبالتالي فتح ممكنات للدخول إلى دواخلها وخلق حضور أكثر كثافة لها، وسيمكنها من التحرر قليلاً من المحاذير والأحكام الأخلاقية القيمية (والتي استخدمتها بكثافة مزعجه) على الشخصيات في النص.

عني كمتلقي
في الرواية الكثير من الإشكاليات ولكن يمكم تجاوزها ضمنياً باعتبارها العمل الأول للكاتبة. إن السلاسة في العمل مهمة لكنها ليست كافيه. إن القارئ المتطلب ليس بشخصيه مكتفيه. إنه لا يعتمد على الجملة العاطفية العالية التي عمدت هذه الرواية على تقديمها بل يعتمد في تقيمه للعمل على مساحة الحدث وحركة الشخصيات في الرواية وهي مساحه واسعة لم تتمكن الكاتبة برأي من الاستفادة منها بل اعتمدت على ضغط الشخصيات في مجال تم التعارف عليه (اقصد البنية العاطفية للمرأة وجملة مشاعرها التقليدية والمروجة والتي يمكن توقعها سلفاً).
إن العمل متوسط بشكل ما.. فانا كقارئ لم أغلقه إلا حين انتهيت منه.. أي إنني لم القي به لأنه سيء.. لكن هذا لم يمنعني من توجيه ملاحظات كثيرة عليه. ملاحظات تتعلق بمدى اشتغال الكاتبة على جوانب فنيه خالصة. ملاحظات تتعلق بموقف الكاتبة المتحفظ من علاقات بطلات روايتها.. البناء التقليدي لنفسية بطلة العمل الأساسية رغم ملامحها النفسية المتمردة على السائد.
أن كل هذا أربكني وأنا أقراء العمل. فلم أتمكن من تحديد توصيف رأي ثابت تجاهه!
على العموم كان النص معقولاً وضمن دائرة المتوقع في الرواية الكويتية التي لم تنجز تقاليد كتابه روائيه كغيرها من الاشتغالات العربية الأخرى.
نشرت في موقع الحوار المتمدن