الاثنين، 7 أغسطس 2006

عن حرب للكرامة لاتدل الضحايا على معنى للموت

ماجد المذحجي
للحرب سيقان طويلة يُمكن بها أن تتنطط كما تشاء من شاشة إلى أخرى. إنها ممتعه، فهي جزء من الصورة التي تثير الانتباه وتشغل الفراغ، وتُمكن المرء أيضاً من ترك الاخرين يلعبونها، ويحصدون الانتصارات فيها لنا ولهم، مع الاحتفاظ بمسافة كافيه من الآذى الذي يمكن أن تُلحقه. نحضر فيها كصوت عالي يشرح، أو يبرر، او يتعاطف، او ينفر، او يكره، أو يفرح.. مُكثفين كافعال صوتيه وانفعاليه صرفه مُغلقه على لغة تحتفل بالموت باصرار. إن " الحرب سهله على المتفرجين "، وليس لمشهد طفل تنتزع جثته من تحت الركام سوى ان يرفع من كثافة الشراكة في لغة موحده لاتراه سوى شهيد فقط، وليس طفلاً فقد فرصة في حياة جيده. ومشهد البنايات والاحياء والقرى المدمرة يمكن تجاوزه بسهوله، في ظل تناظر مشوش ومختل يساوي بين قيمة الضرر الذي يتضمنه هذا المشهد، والصوت العالي الذي تحدثه صواريخ هزيله تقع قرب ملاجئ حصينه مسجله انتصارات معنوية في عمق ( العدو!! ). الابنية الجميلة، والمدن المخططه جيداً، لاتعني شيئاً في معادلة لاتحترم سوى فكرة تأكيد الاجماع على دعم الحرب وتفرعاتها من موت لاطفال، ونساء، ورجال، وشيوخ. ودمار لمدن، وابنية، ومستقبل، واستقرار، واطمئنان، كونها الطريقة الوحيدة لاسترداد الذات، وتأكيد حقيقة كونها موجوده عبر بصمة الدم والخراب فقط!. ليس للأسمنت، والكهرباء، والطرق، والحدائق، واطمئنان البشر، وكل تعبيرات الحياة المستقره، موقع أمام صلابة فكرة الكرامة العارية والمؤيده بجباه مرفوعه وصدور مفتوحه لاستقبال الموت. وهي صدور نراها في الصورة، ونبرع في حماية القيمة المعنوية التي تنتجها تضحيتها عنا، وفي تشجيعها على الثبات امام قنابل ذكيه تزن مئات الاطنان!!. إن تلقي الحرب في صورة يكثف السخرية من قدرة الصور على تمثيل الاشياء باستقلاليه هائله عن ضرواة ماهي عليه بالواقع. والواقع الذي تنتجه لايلقي باعباء على المشاهد أكثر من الغضب، أو الانفعال، او حتى البكاء. وهي تفاصيل لاتحتاج لطرق ممهده يمكن الفرار عبرها من القصف، أو ادوية للتداوي من الجروح، او (مازوت) لتشغيل مولد الكهرباء في مستشفى يخدم عشرة الاف نسمه او يزيد.... الخ. تبرع الحساسية امام هكذا صور في انتاج انفعالات رديئة فقط، قد تتعدى الصراخ نحو اسئلة ساذجه، اسئله لاتلتفت لتفحص كم هو ضئيل الانتصار لموقع مسؤولية الحفاظ على الحياة والاستقرار وعدم فتح الباب للخراب والموت امام الانتصار لفكرة الصمود والمقاومة والكرامة.
هل يشاهد القتله عيون ضحاياهم؟؟. سؤال ساذج يحاول أن يتفحص به الكثيرين موقع القاتل من ضحيته.. وجزء اساسي من غبائه انه يتجاهل فكرة الموت كخلفية عمياء تدير علاقات القوة المؤسسة على حق غير مقيد. و هو سؤال يتجاهل الرغبه الجماعيه الملحه في استبدال الموقع، والرغبه في ان نكون الطرف الاخر بكل امتيازت القتل والقوة التي يمتلكها. نعم ان القاتل يمكن أن يتفحص عيون ضحيته دون أن يُصاب بالارق، وأن يبتسم لها أيضاً قبل ان يلقي بها إلى الجحيم او للفردوس فلافرق لديه. فارتكاب فعل القتل المنظم هو فعل غير مؤسس على احترام قيم الحياة، والقله ممن يمارسونه يستبطنون شكاً اخلاقياً فيما يفعلونه. ليست المشكله هنا، بل في تجاهل " المناضلين " لكون الدم ضريبة فادحة لايكفي أن تبررها بعلم يرفرف. علم تُكثف فيه فكرة كرامة وانتصارات وهمية لا تقدم سوى خدمة لخصم متوحش استساغ وهن الحياة لدينا وانخفاض قيمتها أمام بلاغة الشعارات.
إن القتل فعل مغري، ويحول البشر إلى آلهه مكتملين يهبون الموت وفرص الحياة.. والآلهه الموجودين أمامنا في الصور، هم اولئك الذين يستطيعون بسهوله مستفزه ان ينقروا على احد المفاتيح ملقيين بكميه هائلة من الموت على بشر نائمين، بينما يمسكون بيد اخرى ميكرفوناً غبي يلقون به المواعظ التي يجب ان ننصت لها عن حياتنا التي لن تتحقق إلا بالموت!!. بعضهم ملتحي، والاخر حليق الدقن والشوارب، احدهم يرتدي عمامه والاخر بدله وكرافته انيقه. آلهه بلغات مختلفه، ولكنها تتشابه باصرار في قدرتها على القتل وتبريره بالحياة!!. لبنان بلد يموت، ولايمكن الركون بسهولة لتعزية النفس بقدرية الصمود السخيفه، فالحياة تنتزع من اجساد البشر هناك بسهوله تشبه اشعال عود كبريت، والتعويل على صراخ الكرامه المفترضه وقيمتها بالنسبه لنا، هو فعل لايحاول أن يفهم فكرة ان الاجساد المثقوبه لا تستطيع ان تسمع هذا الصراخ جيداً. والشيء الوحيد الذي يمكن ان يُنصت له البشر في الحرب واثناء القتل هو الدعوة لانهاء كل هذا الخوف والدمار، وعودة الحياة هادئه ومطمئنه كما كانت. نعم، من المفزع أن لاصوت للحياة امام لغة موحده للموت، تبجله وتعقد الآمال على انتصاراته.
نشر في منتديات حوار