الاثنين، 5 أبريل 2010

في كون حزب الإصلاح خصماً للنساء ومسؤولاً عن وفاة الآلاف منهن


ماجد المذحجي
تستدرج المواضيع الخاصة بحقوق المرأة الإسلاميين اليمنيين خارج مواقعهم المحروسة جيداً، حيث يضطرون للإفصاح عن تناقضهم مع الجملة الحقوقية وانتقائيتهم تجاهها، مما يجعلهم مكشوفين أمام الآخرين، ويتعدى الأمر حينها إمكانيتهم على المراوغة والتخفي المستمر في دور ضحايا الانتهاكات، وكثير منهم كان حقيقةً ضحية لانتهاكات مروعة، أو باعتبارهم إسلاميين أكثر عصرية يستنكرون عموماً، وبصوت مرتفع، مقاربتهم ضمن تعريف واحد مع الإسلاميين المتطرفين أو السلفيين على سبيل المثال.
التجمع اليمني للإصلاح، الممثل الأكبر للإسلاميين في اليمن، يؤكد باستمرار على جلاء هذا التناقض، بين التزاماته المعلنة بحقوق الإنسان وبتصور لـ"يمن حديث"، سواء في موقفه كتنظيم منفرد أو في إطار تحالفه السياسي مع أحزاب اللقاء المشترك، وموقفه الفعلي من حقوق المرأة، التي تبدو خارج هذه الالتزامات ولا تقع في صلبها بالنسبة له. وبدءاً من موقفه من قضية الكوتا النسوية التي أحال الرأي الحاسم فيها لموقف العلماء، الذين أفتوا بحرمتها وأعلنوا حرباً "دينية" ضروساً عليها، وليس انتهاءً بقضية "زواج الطفلات" التي يصمت عنها سياسياً بينما ينشط جزء كبير من عضويته في الإفتاء بحرمة تحديد سن الزواج والضغط على البرلمان لعدم إقرار نص قانوني يمنع الزواج تحت 17 سنة. ليتعدى الأمر ذلك إلى الدفع ضمنياً بنقابة المعلمين التي يسيطر عليها للتظاهر أمام البرلمان في ذات اليوم الذي وجهت فيه اللجنة الوطنية للمرأة والمجلس الأعلى للطفولة والأمومة ومنظمات حقوقية، منها منتدى الشقائق والمدرسة الديمقراطية ومنتدى الإعلاميات اليمنيات، دعوة بشكل مسبق للجمهور المؤيد لتحديد سن الزواج للتظاهر أمام البرلمان دعماً للقانون. حيث قامت نقابة المعلمين بنقل مكان التظاهر المعتاد المتعلق بقضايا مطلبية من أمام مجلس الوزراء، المعني بها أساساً، إلى أمام مجلس النواب! بشكل يفصح ضمنياً عن النية بإفساد التظاهر النسوي، ليتعدى الأمر ذلك إلى شكوى عدد من الناشطات اللاتي تظاهرن من تعريض بعض من عضوية نقابة المعلمين بهن وإيذائهن بالكلام أثناء الاعتصام أمام المجلس النيابي.
يصبح سلوك مثل هذا خطراً لأنه يهدد الثقة الضعيفة تجاه الإصلاح، بالنسبة للمنظمات الحقوقية والنسوية، حيث يبدو في المحصلة خصماً حقيقياً ومسؤولاً مباشراً عن أرواح آلاف اليمنيات اللاتي يتوفين بسبب مخاطر الزواج المبكر. وعليه أن ينتبه حقيقةً إلى خطورة شأن كذلك، فالأمر متعلق بالنسبة إلى الكثير من مشائخه بضرورات التمتع "الحلال" بالطفلات الصغيرات، ولا تشغلهم بتاتاً إحصائيات مرعبة تموت فيها في اليمن "365 امرأة و41 طفلاً رضيعاً من بين كل 100.000 ولادة حية. والأمهات الصغيرات اللاتي تقل أعمارهن عن 15 سنة هن أكثر عرضة للوفاة بمقدار 5 أضعاف من النساء اللاتي هن في العشرينيات من العمر، وذلك بسبب مضاعفات الولادة" وفق اليونيسيف، وهو ما يضع اليمن ضمن المعدل الأعلى في العالم، قياساً بالمعدل في دولة مثل أيرلندا لا تتجاوز فيه النسبة 9 وفيات لكل 100 ألف ولادة حية.
على اليمنيين إدراك أن أمر تحديد سن الزواج هو ضرورة تتعلق بالحفاظ على الحياة وحماية أرواح تعرضها للخطر ممارسات متخلفة تجعل الطفلات عرضة للوطء من رجال مرضى لا يقيمون لما يتعرضن له من ضرر وأذى يصل للموت أي انتباه. إنه أمر يقع خارج السياسة بمعناه المتعارف عليه، ولكن يقع في صلب الحياة وحمايتها، ولا يجب أن يخضع فيها للابتزاز والمساومات السياسية. وأعضاء مجلس النواب الذين يتداولون في الأمر الآن عليهم أن يدركوا تماماً أنهم مسؤولون كلياً عن أرواح آلاف الطفلات في اليمن التي ستزهق في حال لم يتم إقرار النص القانوني الذي يحدد سن الزواج، وأن كل واحدة ستموت ستكون روحها عالقة في ذمته وضميره.
نشرت في صحيفة النداء
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=3354

الخميس، 1 أبريل 2010

المقالح مجرداً من الحماية القانونية..


ماجد المذحجي
أثار المسار القانوني الذي ذهبت إليه قضية الصحفي والسياسي محمد المقالح جملة التباسات حول الجدوى من عدمها في الترافع عنه أمام المحكمة الجزائية المتخصصة وتمكينه من حقوقه القانونية في الدفاع عن نفسه على ضوء جملة الانتهاكات الخطيرة التي تعرض لها، والتي رافقت عملية اعتقاله والتعذيب وسوء المعاملة الذي حاق به وفق ما أفصح عنه. علاوة على تقاطع ذلك مع "التشوش" وعدم الحسم الذي ميز موقف المحاميين من المحكمة الجزائية المتخصصة، ونقابتهم بشكل أساسي التي لم يصدر عنها قرار يقول بعدم شرعية الجزائية ويحول دون ترافع أياً من عضويتها أمامها. وتبعاً لذلك أدى هذا " اللغط" إلى النيل من قدرة المقالح على التمتع بـ "الحماية القانونية" أثناء سير عملية التقاضي المستمرة بغض النظر عن شرعية المحكمة من عدمها، ومن كون القرارات فيها مسيسه أم لا.
أوكل المقالح فور الكشف عن احتجازه بأوامر من النيابة الجزائية، وأنا هنا لا أؤكد على شرعية وصوابية الإجراءات المتخذة بحقه أو كون تلك الأوامر سابقة أم لاحقه على عمليه اعتقاله وإخفاءه من طرف الأجهزة الأمنية، أمر الدفاع عنه وحضور التحقيقات للمحامي هائل سلام، رئيس هيئة الدفاع السابقة عن الصحفي عبدالكريم الخيواني، وكان أن حضر هائل سلام الجلسة الثانية للمحكمة بعد أن تعذر حضوره الجلسة الأولى التي عقدت بدون إشعار رسمي له من قبل النيابة بموعدها. عقب ذلك استجاب المقالح للرأي القائل بمقاطعة المحكمة والذي تبناه عدد من المحاميين مثل د. محمد المخلافي وعبدالعزيز البغدادي ومحمد الوادعي ومحمد المقطري، حضر المخلافي سابقاً عدد من الجلسات في المحكمة الجزائية المتخصصة للترافع عن باعوم وعدد من قيادات الحراك الجنوبي رغم إعلان تبنيه موقف مقاطعة الجزائية وعدم شرعيتها بشكل سابق لمحاكمتهم ومنذ بداية عملها! ولم يتمكن هائل سلام تبعاً لقرار المقالح، ووفقاً لطلبه ذلك بشكل مباشر منه أثناء زيارة له وفق تصريح مكتوب عن سلام، من تقديم دفاعه عن موكله للمحكمة. وهو ما حرم المقالح بتقديري الشخصي من شيء أساسي: فضح الاختلالات الفادحة في قضية المقالح لكونها جاءت بشكل أساسي محمولة على "مبنى إجرائي مطلق البطلان، وهو البطلان الحائق بإجراءات المراقبة الهاتفية، والقبض، وجمع الاستدلالات، والحبس الاحتياطي، والاستجواب" هذا بغض النظر عن الدفع الاحتياطي الذي وفره هائل سلام للأخير والذي تناول "عدم الاتهام وتلفيق الاتهام". وهو ما كان سيشكل إجهازاً على محاولة إسباغ الشرعية على ماحدث للمقالح. وكون المضي في إجراءات الدفاع، بغض النظر عن تأكدنا من عدمه لكون قرارات هذه المحكمة صادره إليها من خارجها، سيحول دون فداحة التنكيل بالمقالح قانونياً بعد تنكيله جسدياً، وسيمنح النشطاء والمنظمات والصحفيين القدرة على إثبات عدم عدالة المحكمة والاختلالات في إجراءات التقاضي أمام المنظمات الدولية، وبالنسبة للمقرر الدولي الخاص بالمحاكمات العادلة واستقلالية القضاء، التي تحتاج إلى إثبات من سير وقائع المحاكمة يقول بعدم عدالتها لا مجرد إدعاء شفهي بذلك غير مسنود بوقائع وإجراءات محدده، فهي غير معنية بأي ادعاءات بذلك مادام لم يصدر موقف نهائي من المحكمة الجزائية يقول بعدم شرعيتها من قبل النقابة المهنية الأساسية المعنية بالأمر وهي نقابة المحاميين. خصوصاً وأن كيفية إنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة، تم إنشاءها بقرار صادر عن رئيس الجمهورية وهو احد أوجه الطعن في شرعيتها، يسري أيضاً على ذات الكيفية التي تم بها إنشاء الكثير من المحاكم مثل محكمة الصحافة والمحاكم التجارية التي يترافع معظم المحاميين الطاعنين بشرعية الجزائية أمامها. وأنا هنا لا أدافع عن شرعية الجزائية أو أثبتها بل أوضح التناقضات، التي قد تبدو انتهازيه، في الموقف من شرعية الجزائية وهو ما أدى في الأخير إلى تجريد المقالح من الحماية وعدم تمكين المشتغلين في الدفاع عنه أدوات في الضغط لإطلاق سراحه وتصعيد قضيته تتمثل في إثبات عدم عدالة المحاكمة الان ولاحقاً تبعاً لدفاع قانوني متمكن، وليس اعتماداً على صراخ بدون أساس، بدل الاكتفاء بإطلاق البيانات باسم المنظمات وتجمعات عدديه ضعيفة للتضامن معه!
اعتمد الدفاع القانوني للمحامي هائل سلام على مستويين تناول الأساسي منه دفع الجانب الإجرائي في قضية المقالح وهو ما يؤدي إلى بطلانها كلياً تبعاً لذلك. بينما تناول الاحتياطي منه (الدفع بعدم صحة الاتهام وتلفيق التهم). تضمن محتوى الدفع الأساسي، وهو ما سيكون موضوع اهتمامي بينما يمكن الإطلاع تفصيلاً على الدفع الاحتياطي المنشور في عدد من المواقع والصحف، تأكيداً على بطلان إجراءات المراقبة الهاتفية التي شكلت مخرجاتها ركناً أساسياً في اتهام المقالح كونها قامت بشكل مفارق لنصوص مواد قانون الإجراءات الجزائية رقم (14، 131، 132، 146، 148) التي لا تجيز بشكل صريح (مراقبة الاتصالات الهاتفية، إلا بمقتضى قرار، أصيل ومسبب، صادر عن النيابة العامة. وعن طريق أحد موظفي مصلحة الهاتف بعد تحليفه اليمين. وبشأن مكالمة محددة على سبيل الضبط. ولغرض منع جريمة بوشرت بشأن إمكانية وقوعها تحريات جدية) وهو الشأن الذي خالفته كلياً المراقبة الهاتفية المستند إليها في قرار اتهام المقالح. حيث أن المراقبة تمت من جهازي الأمن السياسي والقومي وليس من قبل موظف من مصلحة الهاتف، كما (أنها لا ترتبط بالوقائع الموصوفة في قرار الاتهام. ولم تكن بمثابة إجراء تحقيقي بشأن تهمة وجهتها النيابة) للمقالح، بل تمت بشكل سابق لتوجيه التهم له ولغرض الحصول منها على مسوغات توجيه تهمه له بشكل لاحق! هذا إضافة إلى أن موافقة النيابة على المراقبة لم تتقيد بما يقتضيه نص المادة (146) من قانون الإجراءات الجزائية الذي تستوجب (تحديداً دقيقاً للمكالمة المطلوب مراقبتها) وأن يتم تحديد (الأمد الزمني للمراقبة). حيث قامت النيابة بتحديد الأمد الزمني للمراقبة بمدة سنتين وأربعة اشهر حسبما هو وارد في قرار الاتهام، وهو (ما يجعل من تلك المراقبة، أطول مما هو محدد قانوناً، بل وأطول مما يتصوره إنسان) وفق النص المقتبس من دفاع المحامي هائل سلام التي تخصه كل العبارات المقتبسة هنا بين حاصرتين. وهو أمر في محصلته ينتهك الضمانات الدستورية والقانونية المكفولة للمقالح ويبطل إجراءات المراقبة وما ترتب عليها كلياً.
استوعب محتوى الدفع الأساسي في الجزء الثاني منه بطلان إجراء القبض على المقالح والإجراءات المترتبة عليه كونها لم تتقيد بنصوص المواد رقم (6، 7، 11، 71، 73، 76، 77، 83، 172، 176) من قانون الإجراءات الجزائية، وهي التي تؤكد على (تقديم كل من يقبض عليه بصفة مؤقتة، بسبب الاشتباه في ارتكابه جريمة، إلى القضاء خلال 24 ساعة من وقت القبض عليه، على الأكثر. وأن يبلغ فوراً بأسباب القبض. وأن تصدر النيابة على الفور، أمراً مسبباً باستمرار القبض أو الإفراج عنه. وأن يخطر فوراً من يختاره المقبوض عليه بواقعة القبض، وبكل أمر قضائي باستمراره، وإذا تعذر على المقبوض عليه الاختيار وجب إبلاغ أقاربه أو من يهمه الأمر) وهو شأن تم مخالفتها كلياً فيما يخص المقالح فهو لم يكن بحالة تلبس ولم يكن (بأمرٍ من النيابة، أوجبته ضرورة تحقيق ابتدائي كانت تجريه مع "المقالح" ، بشأن ذات التهم الموصوفة في قرار الاتهام)، كما أن واقعة القبض، وفق قرار الاتهام، تمت في (17/9/2009م، وأن إحالته إلى النيابة لم تتم إلا في 30/1/2010م، أي بعد حوالي أربعة أشهر ونصف من تاريخ القبض، وضع خلال تلك الفترة قيد الإخفاء القسري، اللاطوعي. إذ لم يتم إبلاغ أسرته بواقعة القبض أو الكشف عن مصيره، أو مكان احتجازه. وذلك بحد ذاته، يعد تنكيلاً به وبأسرته، وإهداراً لحريته الشخصية ولكرامته، مما يغني عن إثبات التعذيب، وكل صنوف المعاملة القاسية التي تعرض لها، حسبما بينه) المقالح في الجلسة الثانية في محاكمته. كما أن النيابة قامت بحبس المقالح احتياطياً قبل التحقيق معه (وقبل استجوابه أو توجيه أي اتهام له، وذلك بالمخالفة للمقرر التشريعي الوارد بنص المادة (184) من قانون الإجراءات الجزائية).
واعتماداً على ذلك كله ينعدم الأثر القانوني لكل ما تم تحصيله من إجراءات القبض والمراقبة الهاتفية وفقاً لنص المادة (132) من قانون الإجراءات الجزائية، ويجب إطلاق سراح المقالح فوراً وعدم النظر في محتوى قرار الاتهام بالأساس.
نشرت في صحيفة النداء