الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

ماذا يحتاج الرئيس الآن؟


* ماجد المذحجي 
وصل الشأن الانتخابي اليمني، والسياسي بالضرورة، إلى نقطة حرجة، أو ما يُمكن وصفه بـ "تعادل قوى"، حيث استنفد "الخصمان" الخيارات في مواجهة بعض لإجبار كل طرف على التنازل أكثر لصالحه. المؤتمر رفع السقف حتى الحد الأقصى، وقام بتشكيل "لجنة الانتخابات" منفردا،ً علاوة على القيام بتثبيت القانون القديم، متجاهلاً التعديلات (الهزيلة) التي تم الاتفاق عليها. "المشترك" استجاب لذلك، جمّد بالمقابل "الحياة السياسية"، والعلاقة مع المؤتمر، كما انسحب تماماً من العملية الانتخابية، بغض النظر عن الاسباب المختلفة للتفصيل الأخير، تاركاً "خصمه" يعمل منفرداً في مواجهة وضع يمني استثنائي وسيئ فعلاً، ومحاولاً، للمناكفة فقط، اعادة "إحياء" تحالفات قديمة مع أحزاب ميتة!
 إن ذلك وضع غير سوي بالنسبة للطرفين في المحصلة النهائية، ويحتاج إلى اختراق يكفل إنقاذه من الجمود الذي سيكون في استمراريته ثمن مكلف، وربما يشجع خيارات سياسية متطرفة لا يريد الجميع حتى الآن اتخاذها. بالضرورة في هكذا وضع يبدو "الرئيس" محل التعويل الأخير بالنسبة لكل الأطراف، مركزيته الشديدة في الحياة السياسية رهنت دوماً حل اللحظة الأخيرة بيده. حيث يمتلك القدرة على "القفز" بالجميع إلى المربع التالي دون أن يأبه للشروط "السياسية والقانونية!" التي تقيد الآخرين.
 يحتاج "الرئيس" بالتأكيد لأن تنفرج الحياة السياسية. حيث سيصبح إقدام "المؤتمر" على الدخول وحيداً في الانتخابات البرلمانية القادمة مُكلفاً للغاية وبشكل لا تتحمله طبيعة الأوضاع الآن. وهو لن يحبذ أن يضطر (المؤتمر) للتعامل وحده مع احتقان واسع، بالمعنى السياسي والاجتماعي والنفسي والأمني، في الجنوب، وآثار عميقة خلفتها حرب صعدة على المستوى الاجتماعي والمذهبي، إضافة لتبرم عام وواسع بسبب تدهور الأوضاع المعيشية على كافة الأصعدة. كل ذلك، علاوة على قوى ومصالح دولية لن تستيغ هذا الانفراد "المؤتمري"، حتى ولو كانت قد وجهت اللوم لـ"المشترك" سابقاً بخصوص ما صار إليه الشأن الانتخابي أخيراً.
إنها أوضاع معقدة فعلاً، والانتخابات تحتاج إلى أرضية سياسية أكثر استقراراً، ولا يستطيع "المؤتمر" تسويتها لوحده أو المغامرة بتحمل كلفة مواجهة كل ذلك منفرداً. ولذلك يحتاج "الرئيس" أن يمنح فرصة لحزبه للإفلات من هذه الزاوية، و"المشترك" أيضاً بالتأكيد، ويحرر اللحظة السياسية اليمنية من هذا الاحتدام الذي أدى بها إلى الجمود، وإشراك "المشترك" في تسوية الأرضية الانتخابية، بما يكفل تقاسمه، مع المؤتمر، كلفة التعامل مع أوضاع ساخنة. إنها ضرورات السياسة، كما يدركها بالتأكيد شخص خبرها جيداً مثل "الرئيس". لكن لتحقيق خطوات كهذه فهو يدرك أيضاً ضرورة دفع ثمن معقول للنجاح في إنجازها: توفير مناخ مُناهض للاحتقان، وإحداث انفراج سياسي على كل الأصعدة. يقع في مقدمة ذلك إطلاق المعتقلين دون استثناءات، وإلغاء المناخ الأمني المسيطر على الجنوب، ومعالجة تداعيات حرب صعدة وأسبابها. إنه ثمن ضروري يجب دفعه، خصوصاً بعد أن خسر فرصة شق "المشترك"، التي كانت مواتية أخيراً، وكسب الإصلاح منفرداً بالانتخابات.
لا يحبذ "الرئيس"، عادة، الوصول بالمواجهات السياسية إلى هكذا مستوى، ويطمئن دوماً إلى المراهنة الأخيرة عليه ليفرض الشروط على الجميع. إنها ورقته الرابحة التي يبدو أن الظروف الراهنة لا توفر لها أسباب النجاح كثيراً، أي القدرة على فروض شروطه، بسبب ممانعات لا يتحكم بها "المشترك" فقط، بل بيئة سياسية عامة تجبر الأخير على التمسك بها خشية الفشل السياسي وانفراط عقده.
لقد أوصلت السياسات الأمنية والاعتقالات الجميع إلى موقف صعب، وتسمم المناخ العام، وأصبح المعتقلون عبئاً على السلطة ذاتها في مواجهة الجميع: مطالب الأحزاب السياسية، والمجتمع، والمنظمات المدنية، والإطار الدولي. ويُمكن الآن بيسر استثمار الظرف الحالي واتخاذ مبرر الانفراج السياسي للتخلص من كل هذا العبء وإطلاق المعتقلين، وبما يكفل تحويل الأمر إلى مكسب سياسي لصالح "الرئيس" قد يُقابل لأجله بالامتنان أيضاً كونه وفر مخرجاً لائقاً للجميع.
........................................
نشرت في صحيفة النداء .
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=2033

الأحد، 14 سبتمبر 2008

«البردوني» ضحية الانحياز لموقف نقدي في السياسة!

ماجد المذحجي
شكل التراث "السياسي" لـ عبد الله البردوني جملة ضاغطة على الاحتفاء "الرسمي" به، مما جعل هذا الأخير يتغافل عن الاهتمام به أو يحتفل بذكراه السنوية، حيث لايمكن تجاوز "المخاصمة" التي أعلنها البردوني تجاه "الدولة" وعبر عنها بشكل واضح في كتابته و"آرائه"، مُنحازاً لتصور "نقدي" في علاقة المثقف بالدولة تميز به تماماً قياساً لمجايليه من "الرموز" اليمنيين.
 لقد احتمى البردوني نسبياً من "ضراوة" الدولة برأسمال شعبي ونخبوي احتفى به باستمرار كـ "ضمير" وطني، و"رائي" عظيم، ولكون "تعبيره" الشعري استجاب للناس وقام بتقريبهم من "الأحداث" العامة، علاوة على كونه قام بهجاء "السياسة" و"الساسة" بسخرية "مُحببة"، استطاع أن يدون فيها الموقف "الشعبي" مما يدور في اليمن أو يلحق باليمنيين!
إن "جراءة" البردوني كانت بالضرورة جزءاً من رأسماله النشط، وهو أدرك ضمنياً حيويتها في "تسويقه" العام، مع التأكيد على كونها ليست خصلته "الفريدة"، وتتجاور مع أسباب أخرى لرواجه مثل قيمته الشعرية وسخريته العالية. إنها "جراءة" عالية استطاعت أن تنال من "مركزية" قيم مهمة لدى اليمنيين مثل الوحدة، التي وصف، في محاضرة ألقاها في عدن قبل قيام الوحدة بشهور، طريقة تحقيقها "الاندماجية" و"السريعة"، الجارية حينها، بأنها ستحولها إلى "كارثة". إنها جراءة جعلته في "الواجهة" متصدياً لما تلحقه "السياسة" بالناس واليمن بأقل قدر من الاهتمام بالغضب "الرسمي" الذي لم يستطع "استقطاب" البردوني لصفه أو جعله، بالحد الأدنى، يصمت ويكتفي بالشعر فقط.
ربما يُفهم لذلك، أي تبعاً لجراءته ورفعه السقف، سبب "الاختفاء القسري" لكتابه "الجمهورية اليمنية" عقب وفاته وهو الذي كان يُجهز للطباعة، وكان يستكمل فيه جهداً سابقاً دشن في كتاب "اليمن الجمهوري" لقراءة الأحداث السياسية وتحولات الدولة في اليمن، ليقرأ في هذا العمل الأخير و"المختفي حاليا" ما حدث في اليمن بعد الوحدة مروراً بحرب 94 وتفاصيل كثيرة توقع تماماً أن تغضب كثيرين، وهو ما يبدو قد صار فعلاً ونال من مصير هذا الكتاب، علاوة على كونه نال بـ "المعية" من أعمال أخرى جديدة للبردوني توزعت بين الشعر والرواية.
إن للبردوني صورة حميمة في الوجدان الشعبي اليمني يصعب تجاوزها، ولذلك قامت المجموعات الإيديولوجية (اليسار والقوميين مثلاً) بترويج واستثمار دائم لشائعات، غير مُتحقق منها، عن كونه كان ضمن عضويتها أو قريباً منها. ذلك يكفل تسويق "نزاهة" سياسية وأخلاقية مفترضة لهذه "المجموعات" عبر "اقترانها" بـ "مصداقية" و"رمزية" البردوني العالية شعبياً. وهي اعتمدت في تأكيد هذه "الافتراضات" على التقارب بين بعض مواقفها ومواقف البردوني المعلنة من الكثير من الأحداث السياسية والعامة، وعلى انه كان باستمرار ضد "التشكيل" السياسي المحافظ الذي حكم اليمن وقريباً من تصورها "الحداثي" للبلد كما يُفترض.
بالتأكيد يظل جزء كبير من سبب استغراق الناس بالبردوني و"تفضيلهم" اللامحدود في استطاعة هذا الشاعر الضرير رؤية ملامحهم ونقل "انفعالاتهم" إلى جملته الشعرية، وصياغة "مواقفه" خارج "النخب" التي تعسفت الحياة في اليمن. علاوة على ان الصورة الفوتوغرافية المباشرة لرجل قصير القامة وذي وجه "مجدور" وأعمى، تبدو صورة "يومية" بالنسبة لليمنيين يُمكن التصادف معها باستمرار في كل مكان. ذلك يجعله مألوفاً ومنتمياً لهم، لم ينسحب إلى موقع متعال عليهم بأي مستوى كان.
نشرت في صحيفة الشارع