الأحد، 14 سبتمبر 2008

«البردوني» ضحية الانحياز لموقف نقدي في السياسة!

ماجد المذحجي
شكل التراث "السياسي" لـ عبد الله البردوني جملة ضاغطة على الاحتفاء "الرسمي" به، مما جعل هذا الأخير يتغافل عن الاهتمام به أو يحتفل بذكراه السنوية، حيث لايمكن تجاوز "المخاصمة" التي أعلنها البردوني تجاه "الدولة" وعبر عنها بشكل واضح في كتابته و"آرائه"، مُنحازاً لتصور "نقدي" في علاقة المثقف بالدولة تميز به تماماً قياساً لمجايليه من "الرموز" اليمنيين.
 لقد احتمى البردوني نسبياً من "ضراوة" الدولة برأسمال شعبي ونخبوي احتفى به باستمرار كـ "ضمير" وطني، و"رائي" عظيم، ولكون "تعبيره" الشعري استجاب للناس وقام بتقريبهم من "الأحداث" العامة، علاوة على كونه قام بهجاء "السياسة" و"الساسة" بسخرية "مُحببة"، استطاع أن يدون فيها الموقف "الشعبي" مما يدور في اليمن أو يلحق باليمنيين!
إن "جراءة" البردوني كانت بالضرورة جزءاً من رأسماله النشط، وهو أدرك ضمنياً حيويتها في "تسويقه" العام، مع التأكيد على كونها ليست خصلته "الفريدة"، وتتجاور مع أسباب أخرى لرواجه مثل قيمته الشعرية وسخريته العالية. إنها "جراءة" عالية استطاعت أن تنال من "مركزية" قيم مهمة لدى اليمنيين مثل الوحدة، التي وصف، في محاضرة ألقاها في عدن قبل قيام الوحدة بشهور، طريقة تحقيقها "الاندماجية" و"السريعة"، الجارية حينها، بأنها ستحولها إلى "كارثة". إنها جراءة جعلته في "الواجهة" متصدياً لما تلحقه "السياسة" بالناس واليمن بأقل قدر من الاهتمام بالغضب "الرسمي" الذي لم يستطع "استقطاب" البردوني لصفه أو جعله، بالحد الأدنى، يصمت ويكتفي بالشعر فقط.
ربما يُفهم لذلك، أي تبعاً لجراءته ورفعه السقف، سبب "الاختفاء القسري" لكتابه "الجمهورية اليمنية" عقب وفاته وهو الذي كان يُجهز للطباعة، وكان يستكمل فيه جهداً سابقاً دشن في كتاب "اليمن الجمهوري" لقراءة الأحداث السياسية وتحولات الدولة في اليمن، ليقرأ في هذا العمل الأخير و"المختفي حاليا" ما حدث في اليمن بعد الوحدة مروراً بحرب 94 وتفاصيل كثيرة توقع تماماً أن تغضب كثيرين، وهو ما يبدو قد صار فعلاً ونال من مصير هذا الكتاب، علاوة على كونه نال بـ "المعية" من أعمال أخرى جديدة للبردوني توزعت بين الشعر والرواية.
إن للبردوني صورة حميمة في الوجدان الشعبي اليمني يصعب تجاوزها، ولذلك قامت المجموعات الإيديولوجية (اليسار والقوميين مثلاً) بترويج واستثمار دائم لشائعات، غير مُتحقق منها، عن كونه كان ضمن عضويتها أو قريباً منها. ذلك يكفل تسويق "نزاهة" سياسية وأخلاقية مفترضة لهذه "المجموعات" عبر "اقترانها" بـ "مصداقية" و"رمزية" البردوني العالية شعبياً. وهي اعتمدت في تأكيد هذه "الافتراضات" على التقارب بين بعض مواقفها ومواقف البردوني المعلنة من الكثير من الأحداث السياسية والعامة، وعلى انه كان باستمرار ضد "التشكيل" السياسي المحافظ الذي حكم اليمن وقريباً من تصورها "الحداثي" للبلد كما يُفترض.
بالتأكيد يظل جزء كبير من سبب استغراق الناس بالبردوني و"تفضيلهم" اللامحدود في استطاعة هذا الشاعر الضرير رؤية ملامحهم ونقل "انفعالاتهم" إلى جملته الشعرية، وصياغة "مواقفه" خارج "النخب" التي تعسفت الحياة في اليمن. علاوة على ان الصورة الفوتوغرافية المباشرة لرجل قصير القامة وذي وجه "مجدور" وأعمى، تبدو صورة "يومية" بالنسبة لليمنيين يُمكن التصادف معها باستمرار في كل مكان. ذلك يجعله مألوفاً ومنتمياً لهم، لم ينسحب إلى موقع متعال عليهم بأي مستوى كان.
نشرت في صحيفة الشارع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق