الاثنين، 18 أكتوبر 2010

(وثيقة تعـز).. إعادة تعبئة فكرة العصبية المناطقية..؟!


* ماجد المذحجي
يبدو مثيراً بشدة السياق الذي تم به تلقي الوثيقة "التاريخية"، التي أعادت صحيفة "النداء" نشرها في العدد الماضي، وقام الزميل سامي غالب بالتعليق عليها وشرح سياقها ومضمونها، والمتعلقة ببيان صادر باسم الجبهة القومية لحماية الوحدة الوطنية في اليمن، في نهاية عام 1964، بخصوص عدد من المطالب؛ منها سحب المعسكرات من تعز، والكف عن تحريض على أبنائها، وتوزيع السلطات بشكل أكثر عدالة بين اليمنيين بشكل يحول دون تركزها في "صنعاء وأهلها".

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

وثيقة حاشد!


ماجد المذحجي
يستدعي حضور القبيلة الكثيف عادة تأكيداً على غياب نقيضها: الدولة! ليصبح تمددها في أي فضاء إفصاحاً عن انسحاب هذا النقيض "الدولتي" وضعفه. الأمر يتعدى الافتراض والتجريد في الشأن اليمني ليصبح اللقاء القبلي الكبير لمشائخ وأعيان وأبناء قبيلة حاشد، الذي عقد في مدرسة السلام بمدينة خمر، محافظة عمران، تأكيداً فجاً على هذه الكثافة القبلية المناوئة لفكرة الدولة ولإحدى أبرز حالات الاستدعاء البدائي للقبيلة ذات الرابطة الدموية المغلقة بخطاب عنيف كثفته وثيقة (الإخاء والترابط) التي أعلنت يوم 5 أكتوبر 2010. وهي وثيقة كان في صدارة جملتها "إباحة دم ومال وحال أي فرد من قبيلة حاشد يحاول الانتماء للحوثيين أو ينشر أفكارهم أو يتعاون معهم)"! وكأن في هذا الإعلان الدموي، الذي كان محله مدرسة ترفع علم الجمهورية اليمنية، ويفترض بها أن تؤكد في حيزها التربوي على قيم الانتماء لدولة والالتزام بقوانينها لا على إباحة دماء اليمنيين، إشهاراً على انسحاب كامل لبيئة المواطنة والقانون والمؤسسات الدستورية التي على رأسها القضاء، وهو من يفترض به أن يكون حكما في (حال ودم ومال) أي يمني، لا أن يخول الشيخ حسين الأحمر لنفسه، أو لمشائخ حاشد، هذا الحق الذي يتعلق بمصير آلاف من المواطنين من رعايا الجمهورية اليمنية.

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

عن المكان اليمني والتأسيس للعنف


ماجد المذحجي
يبدوا المكان في علاقته بالعنف فاعلاً صامتاً لايُمكن استدعائه إلى الواجهة بسهولة، ولكن يُمكن تحسس المجال "العنفي" الذي ينشئه عبر علامات عدة: مزاج الناس العام فيه، كيف تُدار النزاعات في فضاءه ومقدارها، مدى التوتر في لهجة المعاملات اليومية، ومقدار تبادل قاطنية للمصالح وتسوية الخلافات حولها... الخ. إنها علامات أو تفاصيل لايمكن التأسيس عليها في استنتاجات منضبطه ولكنها تخلق تقديراً ضمنياً عن مقدار تغذية المكان للعنف ودوره في تحفيزه على النشاط.

الجمعة، 9 يوليو 2010

7 يوليو... برهان الوحدة الذي يؤكد نقيضها!


 ماجد المذحجي
يستدعي 7 يوليو كل أسباب الانقسام في اليمن الآن، ويحضر تماماً كنقيض مباشر لـ22 مايو، الذي بدا في فترة ما محل «الإجماع» العام. بين التاريخين تحتشد العواطف ودوافع العنف، ويعيد الناس اصطفافهم على الحدود الشطرية القديمة في مواجهة بعض، ولا أحد ينجو بالضرورة من ضريبة الكراهية والإحساس الحاد بالتمزق مرة أخرى، رغم كل «مظاهرات» التأييد للوحدة، والرطانة الرسمية المتكررة والمستفزة عن «إجماع» الشعب «الوحدوي» و«الأقلية الانفصالية».

الاثنين، 14 يونيو 2010

القاضي الإرياني.. الحاكم التوفيقي القادم من خط تماس الانقسامات اليمنية


ماجد المذحجي
شكّل حضور القاضي عبدالرحمن الإرياني على المستوى الوطني، شمالاً على الأقل، صيغة كثيفة لرجل السياسة القادم من "ذهنية التسويات" بمعناها المفتوح، مع احتفاظه بالكثير من الاعتبارات المحافظة التي وسمت تقديراته وإدارته للشأن العام، وتكيفت مع مزاج الدولة التي اعتلى رأسها رئيساً في فترة صعبة، حيث التصور المحافظ هو الذي انتصر وتحكم بمسار البلد بعد أحداث أغسطس نهاية الستينيات، لتصبح المرحلة التي وسمها بأسلوبه الميال إلى التهدئة والترضية وإنجاز حلول وسطى، بين قوى متعاركة، الحاضنة لتحولات عاصفة كانت لابد أن تزيحه لتتصدر واجهة السياسة والحكم.
الإرياني بملامحه المليئة باطمئنان رجل عاف الدم ولم يتلوث به في فترة فاض في أيدي الجميع، رغم كونه كان محايداً بما لا ينبغي له كرجل أول في السلطة أمام التصفيات التي حدثت أثناء أحداث أغسطس، والتي تولى الحكم قبل حدوثها بحوالي العام، استطاع أن يشغل موقعه ضمن اعتبارات التسوية التي احتاجتها اليمن أثناء الاحتقانات الطائفية والمناطقية التي اشتعلت قبل أحداث أغسطس وتفاقمت بعدها، حيث هو ضمناً (الشافعي المذهب والزيدي المعاملة)، والقادم من منطقة (توفيقية) تقع على خط تماس الانقسامات المناطقية الحساسة بين الشمال والمناطق الوسطى في اليمن، علاوة على اقتران حضوره بصورة رجل الدين، والقاضي تحديداً، المليئة بإيحاء العدالة، والمطمئنة لجمهور محافظ على الأغلب، لتشكل كل هذه الخلفية ضمانته الفريدة في الحكم بين خصوم أقوياء معززين بعصبيات شديدة البأس، ثم لتصبح هي ذاتها سبباً في استضعافه والانقلاب عليه كونه مجرداً من ضمانات العصبية، القبلية خصوصاً، وحمايتها، ولكون طابع حكمه (التسووي) والتقليدي متناقضاً مع صيغة الدولة القوية التي أتى بها نائب قائد الاحتياط حينها، إبراهيم الحمدي، للحكم تالياً عليه!
صعد الإرياني للسياسة، والحكم لاحقاً، من طبقة القضاء ذات الموقع الفريد في المجتمع اليمني، فهي ذات اعتبار محترم ومميز ليس تأسيساً على امتياز عرقي كالهاشميين، أو لكونها مؤيدة بقوة القبائل كالمشائخ، بل على امتياز العلم والمعارف ورعاية العدالة. الأمر الذي مكّنها من نيل التقدير والرفعة والامتياز الاجتماعي قياساً بآخرين، ليصبح تحالفها الوظيفي مع الدولة المتوكلية في النصف الأول من القرن العشرين، مدخلها للسياسة، ويصبح القاضي الإرياني، أحد أبرز رموز طبقة القضاء في ذلك العهد، واحداً من رجال الصف الأول في اليمن، ومدشناً لأدوار آل الإرياني اللاحقة في اليمن، التي ميزتهم كعائلة سياسية رفيعة التعليم والحضور في مجالات متعددة.
لقد تميز العهد الرئاسي للقاضي عبدالرحمن الإرياني بتسلط المشائخ على السياسة في اليمن الشمالي، وإمساكهم بمراكز قوى متعددة، فكان الشيخ الأحمر ممسكاً بمجلس الشورى، بينما تقاسم آل أبو لحوم النفوذ في عدد من الألوية العسكرية، علاوة على محافظة الحديدة، وشكل هؤلاء إلى جوار آخرين مراكز النفوذ الرئيسية في الحكم، واتسم الدور السعودي في تلك الفترة بفعالية شديدة في البلد عبر أكثر من منفذ. وإلى جوار ذلك كله، كان على القاضي الإرياني أن يتعايش بصعوبة مع قاضٍ آخر تولى رئاسة الوزراء في نفس العهد، هو القاضي الحجري، حيث اتسمت العلاقة بين القاضيين الوجيهين بالشد والجذب، لتتفاقم كل تلك العوامل صانعة أزمات سياسية خانقة، لم يكن أقلها التغييرات المتكررة في رئاسة الحكومة، أو الاحتقان الذي خلفه تجديد اتفاقية الطائف بغير رضا الإرياني كما شاع، أو قرار سحب الجنسية من الأستاذ النعمان، أو الاغتيالات التي طالت شخصيات يمنية مهمة منها النعمان الابن أو القاضي الحجري ذاته في لندن، وخروج القائد العمري من اليمن بعد أن كان الرجل القوي، منفياً إلى مصر، علاوة على مذبحة المشائخ الشهيرة في بيحان، والتوتر مع الجنوب الذي توج بحرب بين الشطرين عام 1973.
لقد كانت المصالحة مع الملكيين وإعادة إدماجهم في الحكم أحد أبرز معالم عهد الإرياني، حيث مكّن ذلك من إنهاء مرحلة شديدة الصعوبة لليمن الجمهوري، ظل فيه مهدداً باستمرار، ويُعاني انقساماً اجتماعياً خطيراً يتطور بسبب استمرار النزاع مع الملكيين لفترة قاربت العقد، وهي استمرارية أتاحت جعل اليمن ساحة لتصفية النزاعات الإقليمية بطرفيها الرئيسين حينذاك: السعودية ومصر. ولقد مهدت تلك المصالحة الطريق إلى تسوية أهم بالنسبة لليمن الضعيف والمتعب آنذاك: موضعة السعودية، الجار الشمالي القوي والقلق، خارج موقع الخصومة لأول مرة منذ عام 1962.
لقد شكلت فترة حكم الإرياني "حاضناً" لأزمات عديدة عصفت باليمن، سيكون أقلها تشكل نواة الاحتقان الذي عصف باليمن منذ نهاية السبعينيات، مروراً بحرب المناطق الوسطى، إضافة إلى أزمات أخرى، وقد تتسع مسؤوليته أو تقل في الأمر مباشرة، حيث هناك عوامل متداخلة في تلك الفترة تعدت الإرياني لتشمل كافة الأطراف، وهو أمر لا يمكن نقاشه في حال عدم سماع رواية كل الأطراف في تلك الفترة، وهذا ما يستدعي حث أفراد أسرته على الإفراج عن مذاكراته التي يقال إنه دوَّنها في سوريا، وتمني مبادرة من الأستاذ مطهر الإرياني، الذي كان سكرتير القاضي لفترة مهمة، لتدوين مذكراته أيضاً عن تلك الفترة.
نشرت في صحيفة النداء

الاثنين، 5 أبريل 2010

في كون حزب الإصلاح خصماً للنساء ومسؤولاً عن وفاة الآلاف منهن


ماجد المذحجي
تستدرج المواضيع الخاصة بحقوق المرأة الإسلاميين اليمنيين خارج مواقعهم المحروسة جيداً، حيث يضطرون للإفصاح عن تناقضهم مع الجملة الحقوقية وانتقائيتهم تجاهها، مما يجعلهم مكشوفين أمام الآخرين، ويتعدى الأمر حينها إمكانيتهم على المراوغة والتخفي المستمر في دور ضحايا الانتهاكات، وكثير منهم كان حقيقةً ضحية لانتهاكات مروعة، أو باعتبارهم إسلاميين أكثر عصرية يستنكرون عموماً، وبصوت مرتفع، مقاربتهم ضمن تعريف واحد مع الإسلاميين المتطرفين أو السلفيين على سبيل المثال.
التجمع اليمني للإصلاح، الممثل الأكبر للإسلاميين في اليمن، يؤكد باستمرار على جلاء هذا التناقض، بين التزاماته المعلنة بحقوق الإنسان وبتصور لـ"يمن حديث"، سواء في موقفه كتنظيم منفرد أو في إطار تحالفه السياسي مع أحزاب اللقاء المشترك، وموقفه الفعلي من حقوق المرأة، التي تبدو خارج هذه الالتزامات ولا تقع في صلبها بالنسبة له. وبدءاً من موقفه من قضية الكوتا النسوية التي أحال الرأي الحاسم فيها لموقف العلماء، الذين أفتوا بحرمتها وأعلنوا حرباً "دينية" ضروساً عليها، وليس انتهاءً بقضية "زواج الطفلات" التي يصمت عنها سياسياً بينما ينشط جزء كبير من عضويته في الإفتاء بحرمة تحديد سن الزواج والضغط على البرلمان لعدم إقرار نص قانوني يمنع الزواج تحت 17 سنة. ليتعدى الأمر ذلك إلى الدفع ضمنياً بنقابة المعلمين التي يسيطر عليها للتظاهر أمام البرلمان في ذات اليوم الذي وجهت فيه اللجنة الوطنية للمرأة والمجلس الأعلى للطفولة والأمومة ومنظمات حقوقية، منها منتدى الشقائق والمدرسة الديمقراطية ومنتدى الإعلاميات اليمنيات، دعوة بشكل مسبق للجمهور المؤيد لتحديد سن الزواج للتظاهر أمام البرلمان دعماً للقانون. حيث قامت نقابة المعلمين بنقل مكان التظاهر المعتاد المتعلق بقضايا مطلبية من أمام مجلس الوزراء، المعني بها أساساً، إلى أمام مجلس النواب! بشكل يفصح ضمنياً عن النية بإفساد التظاهر النسوي، ليتعدى الأمر ذلك إلى شكوى عدد من الناشطات اللاتي تظاهرن من تعريض بعض من عضوية نقابة المعلمين بهن وإيذائهن بالكلام أثناء الاعتصام أمام المجلس النيابي.
يصبح سلوك مثل هذا خطراً لأنه يهدد الثقة الضعيفة تجاه الإصلاح، بالنسبة للمنظمات الحقوقية والنسوية، حيث يبدو في المحصلة خصماً حقيقياً ومسؤولاً مباشراً عن أرواح آلاف اليمنيات اللاتي يتوفين بسبب مخاطر الزواج المبكر. وعليه أن ينتبه حقيقةً إلى خطورة شأن كذلك، فالأمر متعلق بالنسبة إلى الكثير من مشائخه بضرورات التمتع "الحلال" بالطفلات الصغيرات، ولا تشغلهم بتاتاً إحصائيات مرعبة تموت فيها في اليمن "365 امرأة و41 طفلاً رضيعاً من بين كل 100.000 ولادة حية. والأمهات الصغيرات اللاتي تقل أعمارهن عن 15 سنة هن أكثر عرضة للوفاة بمقدار 5 أضعاف من النساء اللاتي هن في العشرينيات من العمر، وذلك بسبب مضاعفات الولادة" وفق اليونيسيف، وهو ما يضع اليمن ضمن المعدل الأعلى في العالم، قياساً بالمعدل في دولة مثل أيرلندا لا تتجاوز فيه النسبة 9 وفيات لكل 100 ألف ولادة حية.
على اليمنيين إدراك أن أمر تحديد سن الزواج هو ضرورة تتعلق بالحفاظ على الحياة وحماية أرواح تعرضها للخطر ممارسات متخلفة تجعل الطفلات عرضة للوطء من رجال مرضى لا يقيمون لما يتعرضن له من ضرر وأذى يصل للموت أي انتباه. إنه أمر يقع خارج السياسة بمعناه المتعارف عليه، ولكن يقع في صلب الحياة وحمايتها، ولا يجب أن يخضع فيها للابتزاز والمساومات السياسية. وأعضاء مجلس النواب الذين يتداولون في الأمر الآن عليهم أن يدركوا تماماً أنهم مسؤولون كلياً عن أرواح آلاف الطفلات في اليمن التي ستزهق في حال لم يتم إقرار النص القانوني الذي يحدد سن الزواج، وأن كل واحدة ستموت ستكون روحها عالقة في ذمته وضميره.
نشرت في صحيفة النداء
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=3354

الخميس، 1 أبريل 2010

المقالح مجرداً من الحماية القانونية..


ماجد المذحجي
أثار المسار القانوني الذي ذهبت إليه قضية الصحفي والسياسي محمد المقالح جملة التباسات حول الجدوى من عدمها في الترافع عنه أمام المحكمة الجزائية المتخصصة وتمكينه من حقوقه القانونية في الدفاع عن نفسه على ضوء جملة الانتهاكات الخطيرة التي تعرض لها، والتي رافقت عملية اعتقاله والتعذيب وسوء المعاملة الذي حاق به وفق ما أفصح عنه. علاوة على تقاطع ذلك مع "التشوش" وعدم الحسم الذي ميز موقف المحاميين من المحكمة الجزائية المتخصصة، ونقابتهم بشكل أساسي التي لم يصدر عنها قرار يقول بعدم شرعية الجزائية ويحول دون ترافع أياً من عضويتها أمامها. وتبعاً لذلك أدى هذا " اللغط" إلى النيل من قدرة المقالح على التمتع بـ "الحماية القانونية" أثناء سير عملية التقاضي المستمرة بغض النظر عن شرعية المحكمة من عدمها، ومن كون القرارات فيها مسيسه أم لا.
أوكل المقالح فور الكشف عن احتجازه بأوامر من النيابة الجزائية، وأنا هنا لا أؤكد على شرعية وصوابية الإجراءات المتخذة بحقه أو كون تلك الأوامر سابقة أم لاحقه على عمليه اعتقاله وإخفاءه من طرف الأجهزة الأمنية، أمر الدفاع عنه وحضور التحقيقات للمحامي هائل سلام، رئيس هيئة الدفاع السابقة عن الصحفي عبدالكريم الخيواني، وكان أن حضر هائل سلام الجلسة الثانية للمحكمة بعد أن تعذر حضوره الجلسة الأولى التي عقدت بدون إشعار رسمي له من قبل النيابة بموعدها. عقب ذلك استجاب المقالح للرأي القائل بمقاطعة المحكمة والذي تبناه عدد من المحاميين مثل د. محمد المخلافي وعبدالعزيز البغدادي ومحمد الوادعي ومحمد المقطري، حضر المخلافي سابقاً عدد من الجلسات في المحكمة الجزائية المتخصصة للترافع عن باعوم وعدد من قيادات الحراك الجنوبي رغم إعلان تبنيه موقف مقاطعة الجزائية وعدم شرعيتها بشكل سابق لمحاكمتهم ومنذ بداية عملها! ولم يتمكن هائل سلام تبعاً لقرار المقالح، ووفقاً لطلبه ذلك بشكل مباشر منه أثناء زيارة له وفق تصريح مكتوب عن سلام، من تقديم دفاعه عن موكله للمحكمة. وهو ما حرم المقالح بتقديري الشخصي من شيء أساسي: فضح الاختلالات الفادحة في قضية المقالح لكونها جاءت بشكل أساسي محمولة على "مبنى إجرائي مطلق البطلان، وهو البطلان الحائق بإجراءات المراقبة الهاتفية، والقبض، وجمع الاستدلالات، والحبس الاحتياطي، والاستجواب" هذا بغض النظر عن الدفع الاحتياطي الذي وفره هائل سلام للأخير والذي تناول "عدم الاتهام وتلفيق الاتهام". وهو ما كان سيشكل إجهازاً على محاولة إسباغ الشرعية على ماحدث للمقالح. وكون المضي في إجراءات الدفاع، بغض النظر عن تأكدنا من عدمه لكون قرارات هذه المحكمة صادره إليها من خارجها، سيحول دون فداحة التنكيل بالمقالح قانونياً بعد تنكيله جسدياً، وسيمنح النشطاء والمنظمات والصحفيين القدرة على إثبات عدم عدالة المحكمة والاختلالات في إجراءات التقاضي أمام المنظمات الدولية، وبالنسبة للمقرر الدولي الخاص بالمحاكمات العادلة واستقلالية القضاء، التي تحتاج إلى إثبات من سير وقائع المحاكمة يقول بعدم عدالتها لا مجرد إدعاء شفهي بذلك غير مسنود بوقائع وإجراءات محدده، فهي غير معنية بأي ادعاءات بذلك مادام لم يصدر موقف نهائي من المحكمة الجزائية يقول بعدم شرعيتها من قبل النقابة المهنية الأساسية المعنية بالأمر وهي نقابة المحاميين. خصوصاً وأن كيفية إنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة، تم إنشاءها بقرار صادر عن رئيس الجمهورية وهو احد أوجه الطعن في شرعيتها، يسري أيضاً على ذات الكيفية التي تم بها إنشاء الكثير من المحاكم مثل محكمة الصحافة والمحاكم التجارية التي يترافع معظم المحاميين الطاعنين بشرعية الجزائية أمامها. وأنا هنا لا أدافع عن شرعية الجزائية أو أثبتها بل أوضح التناقضات، التي قد تبدو انتهازيه، في الموقف من شرعية الجزائية وهو ما أدى في الأخير إلى تجريد المقالح من الحماية وعدم تمكين المشتغلين في الدفاع عنه أدوات في الضغط لإطلاق سراحه وتصعيد قضيته تتمثل في إثبات عدم عدالة المحاكمة الان ولاحقاً تبعاً لدفاع قانوني متمكن، وليس اعتماداً على صراخ بدون أساس، بدل الاكتفاء بإطلاق البيانات باسم المنظمات وتجمعات عدديه ضعيفة للتضامن معه!
اعتمد الدفاع القانوني للمحامي هائل سلام على مستويين تناول الأساسي منه دفع الجانب الإجرائي في قضية المقالح وهو ما يؤدي إلى بطلانها كلياً تبعاً لذلك. بينما تناول الاحتياطي منه (الدفع بعدم صحة الاتهام وتلفيق التهم). تضمن محتوى الدفع الأساسي، وهو ما سيكون موضوع اهتمامي بينما يمكن الإطلاع تفصيلاً على الدفع الاحتياطي المنشور في عدد من المواقع والصحف، تأكيداً على بطلان إجراءات المراقبة الهاتفية التي شكلت مخرجاتها ركناً أساسياً في اتهام المقالح كونها قامت بشكل مفارق لنصوص مواد قانون الإجراءات الجزائية رقم (14، 131، 132، 146، 148) التي لا تجيز بشكل صريح (مراقبة الاتصالات الهاتفية، إلا بمقتضى قرار، أصيل ومسبب، صادر عن النيابة العامة. وعن طريق أحد موظفي مصلحة الهاتف بعد تحليفه اليمين. وبشأن مكالمة محددة على سبيل الضبط. ولغرض منع جريمة بوشرت بشأن إمكانية وقوعها تحريات جدية) وهو الشأن الذي خالفته كلياً المراقبة الهاتفية المستند إليها في قرار اتهام المقالح. حيث أن المراقبة تمت من جهازي الأمن السياسي والقومي وليس من قبل موظف من مصلحة الهاتف، كما (أنها لا ترتبط بالوقائع الموصوفة في قرار الاتهام. ولم تكن بمثابة إجراء تحقيقي بشأن تهمة وجهتها النيابة) للمقالح، بل تمت بشكل سابق لتوجيه التهم له ولغرض الحصول منها على مسوغات توجيه تهمه له بشكل لاحق! هذا إضافة إلى أن موافقة النيابة على المراقبة لم تتقيد بما يقتضيه نص المادة (146) من قانون الإجراءات الجزائية الذي تستوجب (تحديداً دقيقاً للمكالمة المطلوب مراقبتها) وأن يتم تحديد (الأمد الزمني للمراقبة). حيث قامت النيابة بتحديد الأمد الزمني للمراقبة بمدة سنتين وأربعة اشهر حسبما هو وارد في قرار الاتهام، وهو (ما يجعل من تلك المراقبة، أطول مما هو محدد قانوناً، بل وأطول مما يتصوره إنسان) وفق النص المقتبس من دفاع المحامي هائل سلام التي تخصه كل العبارات المقتبسة هنا بين حاصرتين. وهو أمر في محصلته ينتهك الضمانات الدستورية والقانونية المكفولة للمقالح ويبطل إجراءات المراقبة وما ترتب عليها كلياً.
استوعب محتوى الدفع الأساسي في الجزء الثاني منه بطلان إجراء القبض على المقالح والإجراءات المترتبة عليه كونها لم تتقيد بنصوص المواد رقم (6، 7، 11، 71، 73، 76، 77، 83، 172، 176) من قانون الإجراءات الجزائية، وهي التي تؤكد على (تقديم كل من يقبض عليه بصفة مؤقتة، بسبب الاشتباه في ارتكابه جريمة، إلى القضاء خلال 24 ساعة من وقت القبض عليه، على الأكثر. وأن يبلغ فوراً بأسباب القبض. وأن تصدر النيابة على الفور، أمراً مسبباً باستمرار القبض أو الإفراج عنه. وأن يخطر فوراً من يختاره المقبوض عليه بواقعة القبض، وبكل أمر قضائي باستمراره، وإذا تعذر على المقبوض عليه الاختيار وجب إبلاغ أقاربه أو من يهمه الأمر) وهو شأن تم مخالفتها كلياً فيما يخص المقالح فهو لم يكن بحالة تلبس ولم يكن (بأمرٍ من النيابة، أوجبته ضرورة تحقيق ابتدائي كانت تجريه مع "المقالح" ، بشأن ذات التهم الموصوفة في قرار الاتهام)، كما أن واقعة القبض، وفق قرار الاتهام، تمت في (17/9/2009م، وأن إحالته إلى النيابة لم تتم إلا في 30/1/2010م، أي بعد حوالي أربعة أشهر ونصف من تاريخ القبض، وضع خلال تلك الفترة قيد الإخفاء القسري، اللاطوعي. إذ لم يتم إبلاغ أسرته بواقعة القبض أو الكشف عن مصيره، أو مكان احتجازه. وذلك بحد ذاته، يعد تنكيلاً به وبأسرته، وإهداراً لحريته الشخصية ولكرامته، مما يغني عن إثبات التعذيب، وكل صنوف المعاملة القاسية التي تعرض لها، حسبما بينه) المقالح في الجلسة الثانية في محاكمته. كما أن النيابة قامت بحبس المقالح احتياطياً قبل التحقيق معه (وقبل استجوابه أو توجيه أي اتهام له، وذلك بالمخالفة للمقرر التشريعي الوارد بنص المادة (184) من قانون الإجراءات الجزائية).
واعتماداً على ذلك كله ينعدم الأثر القانوني لكل ما تم تحصيله من إجراءات القبض والمراقبة الهاتفية وفقاً لنص المادة (132) من قانون الإجراءات الجزائية، ويجب إطلاق سراح المقالح فوراً وعدم النظر في محتوى قرار الاتهام بالأساس.
نشرت في صحيفة النداء

الاثنين، 22 فبراير 2010

عن مُشردي الحرب ومعتقليها


*ماجد المذحجي
يرتب إنهاء الصراع المسلح عادة إحساساً بالاسترخاء والاطمئنان، كون استمرارها مرتبطاً بكلفة دموية مباشرة تثير التوتر وتجعل الجميع على تماس مع مناخ عام مُستنفر باستمرار، وهو شأن على أهميته يثير القلق في مستوى آخر: أن يرتب ذلك الاسترخاء تجاهلاً للكلف الإنسانية التي رتبها هذا الصراع وغض طرفاً عن التزاماتها الملحة.
ينسحب ذلك على الحرب السادسة في صعدة، حيث يُخشى من استغراق الجميع في "الأولويات" السياسية والميدانية لإنهاء الصراع المسلح، على أهميتها وضرورتها، على حساب "الأولويات" الإنسانية الهامة التي ترتبت عليه، والتي تبقى مفتوحة، ومؤلمة، بمعزل عن قرار إيقاف الحرب واستمرار العمليات العسكرية من عدمه.
على مدى 6 جوالات من الصراع المسلح في صعدة وحرف سفيان وأماكن أخرى، كانت الضريبة الإنسانية المباشرة هي أكثر من 250 ألف نازح، لم يتم إحصاء النازحين غير المرئيين الذين لم تستوعبهم المخيمات، وهو شأن إذا تم سيضاعف الرقم على أقل تقدير. وإضافة للالتزامات المباشرة الخاصة بهم من مأكل ومشرب وإيواء مؤقت واحتياجات صحية، يجب البدء بالتفكير، والعمل بالضرورة، في الاحتياجات البعيدة المدى الخاصة بهم: تعويضهم عن الخراب الذي لحق بمساكنهم ومزارعهم، وإعادة بناء شروط حياة جديدة ملائمة وكريمة تضررت بشدة بسبب الحرب. باعتبار أن غض الطرف عن ذلك سيفجر مشكلة خطيرة بالمعنى الإنساني والاجتماعي على المدى الطويل في اليمن.
لا يتعلق الأمر بالترف، أو بكون الأمر "فرغة" منظمات دولية أفصحت بشكل متكرر عن قلقها من الوضع الإنساني، وهي إن أبدت ترحيبها بوقف إطلاق النار أكدت بلهجة واضحة على مخاوفها من خطورة الظروف في المناطق المتأثرة بالحرب.
لقد أفصح الصليب الأحمر الدولي عن كون الكثير من المشردين بسبب المعارك يعتمدون كليا على المساعدات التي يقدمها، وأشار إلى كون تقديم المساعدات تعدى النازحين ليتم تقديمها أيضاً للكثير من السكان الذين يستضيفونهم، كل ذلك في ظل احتياجات ملحة تزداد كل يوم وتحتاج عملاً حقيقياً.
في مستوى آخر، يجب التعامل السريع مع ضريبة إنسانية أخرى لنزاع صعدة، هي المعتقلون. إن العمل على إغلاق هذا الملف الإنساني من طرف السلطات الحكومية، يشكل ضرورة ملحة لأكثر من سبب. أولاً لكون الأمر يشكل "فضيحة" بالمعنى الحقوقي، حيث تم إخفاء واعتقال المئات من طرف الأجهزة الأمنية بشكل غير قانوني، لفترات طويلة جداً، وهو ما يشكل جريمة تستوجب المساءلة والعقاب، لأسباب تتعلق بالانتماء المذهبي والعرقي، واشتباه ضعيف، وجماعي! بالتعاطف مع جماعة الحوثي. وثانياً للمساهمة في إضعاف جذور تعبئة اجتماعية مُعادية للدولة تتغذى على الخروق والانتهاكات الأمنية لحقوق الإنسان على ذمة الحرب. وهي انتهاكات تؤدي إلى الانتقاص من شرعية الدولة أمام مواطنيها وتفكك ولاءهم لها، خصوصاً حين يكون الإجراء الرسمي، الأمني الطابع، قائماً على أسس تمييزية بين أفراد المجتمع، يُشعر الناس بعدم العدالة بشكل مستمر، مما ينال من حياتهم وأمانهم، وتصبح الدولة تبعاً له خصماً فاجراً لا حكماً شريفاً.
..................................................................
نشرت في صحيفة النداء http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=3235

السبت، 13 فبراير 2010

الثرثرة كمبرر لكوني رجل مهجور


ماجد المذحجي
أنا رجل مهجور......
دوماً ما يتبادر هذا التعبير إلى ذهني حين أفكر بما أنا عليه. لست عظيماً وإن كنت أظن أن لدي من الأفكار ماهو أكثر أهميه من ذلك الذي يردده العديد من الأغبياء في الكتب أو في الشاشات.
نعم أنا رجل مهجور ولا عزاء لي في ذلك.
و(مهجور) مفرده تشير بسلاسة لعدد من الأوضاع, آخر ما يمكن توقعه من إحداها أنها قد تخص إنساناً، فأول ما يتبادر للذهن مثلاً هو بيت مهجور.. أو منطقه مهجورة. ولكن من الصعب أن يتم الجمع بينها وبين كائن حي يختلط بالبشر على الأقل بسبب الاحتياجات الضرورية كالتسوق من اجل الطعام والملابس والأحذية ناهيك عن دخول الانترنت أو شراء بطاقات لإعادة تعبئة رصيد الموبايل.
هناك وضع وحيد يمكن أن يترافق مع صفة مهجور. حين يقولون مثلاً: رجل هجرته امرأته وكذلك بالعكس. إنهم يقولون مهجور ليدللون على كمية الوحشة باعتبارها الصفة الوحيدة التي توضح ما يعانيه الطرف الذي هُجر سواء كان رجلا أو امرأة. وأنا هنا أعاني من الصفة ولا أعاني من السبب الذي أوردته في الأعلى!
هذا يعني أن كلمة مهجور هي كلمة لا تناسبني ضمن المنطق اللغوي الأولي.. ولكنني على الرغم من ذلك أصر أنني رجل مهجور.
كيف يمكن لي أن أفسر أنني كذلك:
يمكن أن ابدأ من التفاصيل الأساسية التي أدت إلى كوني شخصا مهجورا، فانا مهجور لأنني أتحدث بشكل جيد أو أثرثر كما يصفون تحدثي!!..
نعم أنا أثرثر... ليس من الخطأ بالنسبة لي أن أكون متحدثا جيدا أو ثرثارا.. لكن الآخرين يهجرونني لأنني كذلك!!؟.وكم يبدو غبياً ومؤلماً بالنسبة لي أن يُهجر أي إنسان لأنه يستمتع بالحديث لوقت أطول من الآخرين!!.
أنا استطيع الحديث جيداً، ولدي الكثير مما يمكن الحديث عنه. لا أحب أن احتفظ بما لدي كأنه شيء سري. إن ما امتلكه من أفكار وانفعالات هي من حق الأخريين كذلك، ويسعدني أن أساعدهم على التعرف عليها. هم يسمون ذلك ثرثرة وأنا اسميه بالضبط ( عدم الخوف من نقل الأفكار والانفعالات عبر حديث مُدار بشكل جيد وممتد ).
أعلم أنه يبدو كأنه تعريف لأحد فروع علم الاجتماع. ولكنها الصيغة الوحيدة التي تستطيع تعريف ما يطلقون عليه ثرثرتي.
تصوروا أن يصبح الشخص مهجوراً فقط لأنه لا يخاف من نقل أفكاره وانفعالاته عبر حديث مُدار بشكل جيد وممتد!!.
لا ادري لماذا لا يجربون الإنصات بشكل جيد.. يجب أن يتمرنوا على الإنصات. لو تمرن البشر على الإنصات لكان قد تم حل نصف مشاكل الكره الأرضية!!.
كم أتمنى أن يُنصت لي أحد ما ثم لا يهجرني.. أتذكر أنني واعدت امرأة إلى العشاء في منزلي بعد محاولات متكررة معها كدت أيئس بعدها. قمت يومها بتنظيف المنزل وتنظيمه بشكل جيد. رتبت أشجار الزينة ومسحت أوراقها.. ومنحت الأسماك في الحوض كميه أكبر من الطعام كي تكون أنشط مما هي عليه بالعادة، جلبت وروداً ووضعتها على الطاولة.. قمت بمسح جهاز الكومبيوتر وأعددت الاسطوانات التي سنستمع لها ونحن نتحدث خلال تناول الطعام. قمت بإعداد السلطة، و ( الحمص )، و( بابا غنوج )، وقلي البطاطس، وأعددت وجبتي المفضلة والمكونة من جوانح الدجاج المشوية والمتبلة بالثوم والليمون. جلبت أيضاً قنينة نبيذ فاخره من ماركة ( زيزانو ). حلقت ذقني واستحممت وارتديت ملابس خفيفة لكن أنيقة. حرصت على عدم ارتداء أي شيء رسمي كي لا يخلق هذا مناخا ضاغطا. فانا أؤمن تماماً أن نوعية الملابس التي يرتديها شخص في أول موعد مهمة للغاية، فبناءاً عليها تتحدد كثافة الهواء بين الشخصين وكلما كانت الملابس أكثر راحة كلما ساعدت على حصول تماس دافئ.
المهم، بعد أن انتهيت من كل ذلك أتت تلك المرأة.. قمت باستقبالها بابتسامه عريضة وداعبتها قائلاً: كنت أخشى أن تفري لأنني سأحزن على كمية النقود التي أنفقتها على إعداد هذه السهرة.
أعلم.....
كانت دعابة سمجة!!.
قدتها إلى الداخل وبعد الكثير من الإشادة المتوقعة منها بأناقة البيت استراحت على الأريكة وقعدت بجوارها. وبدأت أتحدث.
بالأصح بدأت أثرثر.....
لم أتوقف إلا حين دعوتها إلى الطاولة كي نتناول الطعام و النبيذ. لا أتذكر سوى أنها كانت تهز رأسها كل حين وحين. لم أتوقف عن الحديث، شعرت أن لدي الكثير من الأشياء التي يجب أن اخبرها بها. كل شيء، من رأيي في السياسة وآخر مباريات كرة القدم وحتى الروايات ومشاكل التغطية لشركة الموبايل في منطقة سكني!!.
في الأخير وأنا أودعها على الباب اكتشفت أنني لم المسها حتى.. لقد استغرقت تماماً في أحاديثي.. انفصلت تماماً عنها لصالح هذه الأحاديث. لم تكن بأكثر من محرض ومن ثم تلاشت أو اختصرت إلى مجموعه من الإشارات الحسية التي تساعدني على الانتقال من موضوع إلى موضوع. كنت إذا شعرت بأنها أصيبت بالضجر أنتقل إلى موضوع أخر وإذا شاهدت اهتماماً في عينيها أعمل على الاسترسال في الموضوع الذي أتحدث به. أن تعابير وجهي وجسدي تصير أكثر غنى من المعتاد. كل تفاصيلي تصبح مركزه في وظيفة واحده: معاضدة فعل الكلام فقط!!.
لكن النتيجة في الأخير أنني عدت شخصا مهجورا ولم تعد هي لزيارتي أبداً أو حتى ترد على هاتفي ورسائلي المتكررة!.
لم أكن خفيفاً على الآخرين أبداًً في أي لقاء، هكذا أكتشف حين أتأمل لوحدي في الأسباب التي تدفعهم لتجنبي. وهذه واحدة من أهم الأسباب التي جعلتني شخصا مهجورا. ربما أجيد الحديث وهذا يلفت نظر القليل من البشر لكنه بالتأكيد يثير غيظ العدد الأكبر منهم أيضاً. ليست المسألة فقط بأنني أثرثر كثيراً ولكنها تتعلق من زاوية أخرى بالغيرة، أنا امنعهم بشكل ما من إبراز ذواتهم. ويبدو لهم أنني أؤكد ذاتي بشكل يمنع ذواتهم من البروز تماماً. يأخذ تعبير الغيرة حده الأقصى مني في وجود أنثى، إنني أستأثر بالاهتمام بشكل ما. وهو الأمر الذي يدفع كل شخص إلى التمسك بأنثاه أكثر كأنني سأسرقها منه. إنهم يبدؤون بالهمس لهن وإمساك أكفهن باعتناء أكثر من المعتاد كي يؤكدوا وجودهم بقربهن. ويقابلون حديثي إما بالإعراض أو بالحدة المضمرة في الرد أو النظرات. ويراقبون أي إمكانية للإعجاب قد تنشأ بيني وبين فتياتهم بالكثير من الحذر والاحتراس والغضب!!.
حدث ذات مره ما يتعلق بهذا الحديث عن الغيرة، كنا مجموعة خرجت للتو من المسرح، كان مؤلف المسرحية التي عرضت أحد معارفي، والآخرين هم طاقم الممثلين والإضاءة والموسيقى والديكور بالإضافة إلى المخرج وصديقته، كان هناك عدد من النساء بينهم، وكما عرفت في تلك الليلة فإن كل واحدة منهن لها علاقة بأحد أفراد المسرحية!.كنت الوحيد الذي لا تربطه علاقة بأية واحدة من هؤلاء النسوة. ذهبنا لتناول بعض الأقداح في أحد المطاعم ولتناول عشاء خفيف. كنت مدعواً بسبب معرفتي بالمؤلف. أي أنني كنت طارئاً في المشهد المنسجم والمنضبط الذي لا يمكن توقع أي مفاجآت فيه. لم أكن أشكل قلقاً مهماً للكل في البدء باستثناء مسألة اضطرارهم لمجاملتي وعدم الدخول في مناطق شخصية كثيراً بسبب عدم معرفتهم بي. استفزني الأمر قليلاً، فقد كنت خارج إطارهم إلا بما تستدعيه المجاملة فقمت بتقديم ملاحظات نقدية جادة حول العرض المسرحي الذي قاموا به حين طلبوا مني أبدي رأي فيه. لم أجامل كما يفترض بشخص مدعو ويحظى بامتياز التواجد معهم كما يتصورون. بل كنت صريحاً واستخدمت مواهبي في الحديث ومعارفي المتنوعة. استأثرت بانتباههم، وبالأخص بانتباه صديقاتهم وهو الأمر الذي لفت نظرهم. قدمت آراء متنوعة في كل شيء، بدءاً بالنص وانتهاء بطريقة الإخراج وبشكل مؤثر. كان واضحاً أن النساء هن من اهتممن أكثر، ولقد اهتموا كثيراً نتيجة ذلك – وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث لو كان الحضور ذكوراً فقط. بدؤوا بالرد عليّ بصوت هادئ ولكن بحدة مبطنة، كأنهم يريدون أن يوصلوا لي الرسالة التالية: لا تعتقد أنه من السهل أن تسلبهن منا بحديثك الجميل وجراءتك في نقد المسرحية، احذر فنحن منتبهون لك وسننهشك بسهولة!!. انتهت تلك السهرة بأنني حصدت عداء أغلب الشباب وإعجاب ضمني خفي من النساء بسبب براعتي في الحديث رغم أنني لم أسترسل كعادتي لأن الباقين كانوا مستنفرين تماماً وقادرين على مقاطعتي وإبداء آراءهم لأدنى خطأ يتمكنون من التقاطه من حديثي!.

أنا شخص مهجور، وهذه صفه بدأت تعززها عدد من المظاهر الجسدية، فقد بدأت أصاب ( بالتكرش ) المنفر الذي كنت أبرره بسخرية - للقليل من المعارف اللازمين لضرورات الحياة - بدواعي الوجاهة. لقد بدأ جسدي يفقد امتيازات الشباب رغم أنني لم أدخل في مرحلة الكهولة، فقد أصبح لدي جسد مترهل بسبب عدم ممارسة الرياضة وانعدام الحركة الناجمة من قلة الرفقة، وفاقم ( الكرش ) من غباء جسدي، فلم يعد مصلوباً ومستقيماً حيث يقوم هذا ( الكرش ) بجعله أقل استقامة ويفرض حجمه وبروزه شكلاً من اللاتناسق والانحناء يشوهان منظره بشكل كلي، ويدفعان لتصور أولي لدى الناظر فحواه بلادتي وقلة حركتي!.
هذا الشكل يلعب دوراً معقولاً نسبياً في جعلي شخصاً مهجوراً، فانا لا امتلك تعويضاً جمالياً بسيطاً يمكن أن أستغله في معادلة الأثر الذي تخلفه مسائل الثرثرة والغيرة. أي أن جسدا جيدا وملامح جميله كان يمكن لها أن تشكل توازناً صحياً أستطيع بالاستفادة منها تعويض خسارتي للبشر الذين يظنون أنني شخص ثرثار بالبشر الذين يظنون أنني شخص جميل!!.
أعلم أنني لست شخصا قبيحا، وأنني شخص وسيم ضمن المتوسط العام، ولكن هذه التطورات الرديئة التي أصابت جسدي عدلت تماماً من امتياز الوسامة لصالح غباء الجسد، وهو الأمر الذي يجعلني أخسر نقطه إضافية في محاولتي لتعديل موقعي من شخص مهجور لشخص اجتماعي.

مازلت في العشرينات من عمري وأصبحت شخصا مهجورا بشكل سيء. لا ادري إن كنت أستخدم هذا التعبير بإفراط أو أن المسألة تتعلق بحساسيتي العالية. لقد كنت على الدوام شخصاً عالي الحساسية رغم أنه غير معروف عني هذه الحساسية!. لقد كنت دوماً أستبطن بألم سخرية الآخرين مني رغم إبدائي سعة الصدر في الظاهر. كانت تزعجني بعمق رغم أنني أتلقاها بابتسامه ورد سريع تساندني فيها مواهبي في الحديث، ولهذا أعتقد أنني الآن أتعامل بحساسية عالية مردها كثرة التململ من حديثي الذي مازلت مقتنعاً حتى الآن أنه حديث جيد رغم انه طويل قليلاً!!.
حاولت لفترات طويلة من حياتي موازنة الأمر، فكنت أحاول أن أنتبه متى بدأت بالاسترسال بالحديث لكي أنهيه بسرعة بحيث أمنح الآخرين مساحة وقت يجدون عبرها حيزاً بجواري، كانت المسألة صعبة ولكنني كنت أنجح كثيراً، لكنني أخيراً بدأت أتململ من ذلك. كان غباء الآخرين وأحاديثهم السيئة وأفكارهم القديمة تدفعني للاستمرار بالحديث، فلاشيء لديهم يدفعني لمحاولة الإنصات لهم. أما هم فالمسالة تتعلق فقط بأنهم يخشون أن أسلبهم مساحة يعتقدون أنها تخصهم في أي مكان نتواجد فيه. المسألة كما أعتقد لا تخص إنكارهم لأهمية ما أقول بل تتعلق تماماً بإنكارهم لسلبي ما يعتقدون أنها مساحه تخص ذواتهم!!. إن المسألة تتعلق إذاً بتنافس بين نرجسيتي ونرجسيتهم.. بين من هو الأكثر أهميه ضمن التقدير الشخصي للذات بالنسبة لكل شخص!.

يحدث أيضاً تناقض مربك دوماً في حياتي، فانا أتعرف على البشر لأنني أجيد الحديث وأخرج من حياتهم لنفس السبب!!. في البداية لديهم الرغبة في الاستماع لرجل يجيد الحديث وحين أقوم بتهديد مساحتهم الشخصية - أمام الآخرين أو أمام أنفسهم - في ظروف عدة يتحول موقعهم مني إلى العكس تماماً، وتصبح لديهم رغبة وحيدة تخصني: الصمت. إنها ذوات تتصادم مع بعضها كما تتصادم كرة بأخرى فتذهب كل واحده منها إلى الاتجاه الآخر تماماً.
الكثير من الأصدقاء في حياتي هجروني لأني شخص أثرثر، كنت دوماً أرتبك أمام إعجابهم وأمام غضبهم، الأولى تثير ارتباكي وفرحي والثانية تثير حيرتي وضيقي!. لم أستطع ضبط مسافة موحدة من الجميع فيما يتعلق بالأثر الذي أخلفه لديهم. فهو يختلف بناءاً على توقعات كل شخص من علاقته معي ولا يتعلق الأمر كما أظن بما أفترضه أنا من هذه العلاقة. ما يثير انزعاجي أن هناك الكثير ممن كنت أحب أن أستمر بعلاقة دافئة معهم بادروا لاتخاذ موقف عدائي مني بسبب ثرثرتي. لم يكونوا أبداً مهتمين بأهميتها أو عدم أهميتها، وإنما مهتمين بتقديرهم للغرض الذي أبتغيه منها. كانوا مهتمين على الدوام بسبب أحاديثي وليس بفحواها!. الأمر يتعلق بالنوعين من الأصدقاء، أولئك الذين أحبوني والآخرين الذين تركوني أو اتخذوا مسافة مني. الكل كانت يفتش عن موقع في حديثي يمكن الاستفادة منه. إنهم يعززون مواقعهم داخلياً اعتماداً على أسباب أحاديثي كما يقدرونها. لم تكن ثرثرتي تهمهم إلا بقدر ما هي مناسبة لعضد فكرة أو موقف نفسي يناسبهم. وهكذا كنت أخسر أكثر مما أكسب. حتى حبيبتي خسرتها بسبب ثرثرتي. لقد كانت تتضايق دوماً بسبب أنني لا أتحدث معها بما يكفي!!. لأنني أولي الآخرين اهتماماً في أحاديثي أكثر مما أوليها!!. كانت لديها رغبة ضمنية بالاستئثار بالكمية الأكبر من حديثي. كنت أبرر الأمر دائماً بأنها خارج الحديث وفرقعته، بأنها تسكن جوهره الذي لا يُقال!. لكنها أبداً لم تقتنع. لم يقنعها هذا التجريد.. كانت تريد إقراراً أكثر حسية. كنت دوماً أقول لها أن غيابها عن حديثي يعني غيابها عن الشك. فالتحدث هو عمليه شك مستمرة.. نقل الحوادث اليومية إلى موضوعات مُفكر بها وقابلة للاهتزاز والتعرض للتفكيك والمُساءلة. لكنها لم تكن تقتنع أبداً.. كانت ترى في الحديث موقع صدارة.. تسليط ضوء مستمر على جوهر ما.. ترويج قيمة ونقلها من الخفاء إلى العلن. ولم يكن هذا يناسبها فتركتني ببساطة. كان يهمها حديثي وليس أنا.. ولهذا تركتني دون أن تفكر حتى بأن تخبرني بأنها تركتني!. لقد هجرتني ببساطة متناهية!!!.

أنا مهجور بشكل حقيقي. بشكل مفزع. إنني أتحول إلى خرابة حقيقية ولا تعشش فيها سوى أصوات قديمة تُشعرني بالقليل من العزاء ولكنها لا تكفي لمنحي أي إحساس آخر. إنني مهجور تماماً كأي قطعة تم استنفاذها.. كبيت مسكون بالأشباح.. كحكاية تم ترديدها بشكل ممل حتى أصبح الكل يقرف منها. أنا مهجور وبائس كحذاء قديم.. كحزن لم يعد يريد أي شخص الاقتراب منه. أنا مهجور وموحش وأفتقد الآخرين تماماً!!........

دمشق
يونيو/ 2005

الاثنين، 11 يناير 2010

عن الضعف والمسرة والذكريات التي تشيع الوهن

ماجد المذحجي
التواطئ مع الحنين مسرة شخصية يصعب تجنبها او التخلص منها، حتى لو رتب ذلك مزالق مربكة في الذاكرة مع بشر لم يعد بوسعهم احتمال الاستيقاظ المفاجئ لمشاعرك بعد رتبو حياتهم خارجها. في لحظة تعتقد ان بامكانك ببساطة تعقيد حياة نساء احببتهن واحببنك سابقاً، فقط لكونك هناك حنين يُلح عليك لتستعيد مكان كان يخصك قربهن للحظات، لتشعر بالتوازن والرضا ربما، او لتخبرهن عن اشياء افلتت عليك سابقاً وتعتقد ان الامر يستحق ذلك دون ان تلقي بالاً لاهتمامهن بك اساساً.
يكشف تواطئك المستمر مع الحنين عن الكثير من الاشياء التي لم تُستنفذ بداخلك: مشاعر لم تشبع منها ربما، قبلة تركت ناقصة مع فتاة لم تكن تحبها بشكل كافي، وحتى مشوار لم ينتهي كما يجب لانك لم تكن تشعر بالثقة بنفسك. الحنين يتغذى على الاشياء الناقصة، وعلى شرهك الشخصي الذي يفسد النهايات الجيدة ويترك كل شيء معلقاً باستمرار.
ربما يتعلق الامر أيضاً بعدم قدرتك على ترك الامور تمضي في ما اصبحت عليه بعيداً عنك، وكأن الامر ينال من تقديرك لذاتك التي يجب ان تدور الاشياء حولها في أي وقت شئت.
يبدو الامر هكذا متعلقاً بنرجسية فاسدة تخصك، ولكنه ليس كذلك كلياً، فتقدير كهذا يدمر تواطئك مع الحنين الذي تحبه وتتعلق بكل شيء يخصه: الوهن المحبب الذي يبعثه في عظامك وانت تستعيد ذكرياتك. جراءتك على التفتيش عن اشياء اخفيتها لتستمر قدماً بالحياة. والضعف السري والدامع امام الوجوة والموسيقى والرسائل القديمة.
الامر بالنسبة إليك يخص ملئ رئتيك بالهواء واكتشاف كم كان ممتعاً الرجل الذي كنته! يحدث ذلك باستمرار لان ما انت عليه لم يزل بعيداً عن الرضا، ولان هناك مايحدث باستمرار ويضعك في اماكن تقربك من الحياة التي تحب صورة اخرى لها.
ذلك الفاسد الذي بداخلك سيطل برأسه الصغير دوماً ليخبرك عن ان الصرامة ليست حلا لتجنب وهنك امام الماضي، وسيكون الامر اصعب على الدوام لان ما يجعلك حزيناً ومرتبكاً هو ذلك الحبل السري بين قلبك ونساء غادرتهن قبل الاوان. ولان الحنين هو المكان الذي تلوذ به لاعادة ترتيب ملامحك قبل الانتقال لخطوة اخرى لاتعرف تماماً اين ستصبح بها.
كل ذلك مرهق بالتأكيد: التواطئ مع الحنين، وتبريره، والتمسك به، والرغبة بالتخلص منه، وتفسير مشاعرك كل مرة لكي تصالحها مع الذكريات والذين هجرتهم وهجروك. لهذا أيضاً يبدو الحنين ملاذاً قلقاً، ويعيد تكييف العالم باكملة للحظة ما كي يصبح ملائماً للضعف الذي تحبه وتخشى ان تواجه به نفسك والاخرون.