الاثنين، 19 أكتوبر 2009

إكراهات القلق: ورطة الكتابة الجديدة في مجموعة لطف الصراري


ماجد المذحجي
تثير الكتابة الجديدة عادة مستويات مختلفة من التلقي، فهي غير قائمة على صورة محددة، أو أسلوبية بعينها، بل يمكن وصفها بشكل من المغامرة الشخصية المفتوحة على احتمالات متعددة، ولذلك يصبح هذا التلقي رهيناً بالموقع الثقافي والنفسي الذي يتخذه صاحبة من المادة، ويتشكل انحيازه تجاهها أو نفورة منها تبعاً لتقاطعه مع الجملة التي يتلقاها. وفقاً لهذه الفكرة الأولية يمكن أن أتحدث عن "كمن يدخن سيجارة طويلة بنفس واحد" ضمن المستوي الشخصي لتلقي لها، وبأقل قدر من الاستعارة للأدوات النقدية.
 يفصح العنوان في أول دلالة يقترفها تأكيداً على الانهماك العالي في الذاتي، حيث يبدو الأمر متعلقاً تماماً بالعالم الداخلي للطف، ويصبح تدخين سيجارة بنفس واحد إيحاء كاملاً بالقلق وبانهماك شخص في التفكير بالكثير من الأشياء التي يريد أن يقولها.
يأتي الإهداء مفتاحاً أخر لتأكيد هذا القلق، وربما الانشغال بأشياء "غير محدده"، حيث اللاجدوى التي يقرنها بفكرة الاهداءات مفتوحة ضمنياً على تأكيد هاجس شخصي لرجل يفكر بكون الأشياء المعتادة، أو المجمع عليها اجتماعياً وثقافياً، لا تستحق الاعتناء، وهي ثيمة أساسية تميز الراوي الذي يأتي سرده من موقع نقيض للأفكار والعادات والقيم والأخلاقيات السائدة مؤكداً بذلك على قلق ورغبة بالتفرد بين "الجموع". وهكذا سيصبح هذا الإهداء مفتاحاً لمنولوج شديد الذاتية، متعدد النبرات يغلق العالم على الفكرة الشخصية ويحاكمه بناءاً عليها، سيستغرق نصوص المجموعة بأكملها بدءاً من الصفحة التالية عليه...
تتناقض الدلالات بين عنوان أول نص في المجموعة "بعيداً في العتمة" وأول جملة في النص "الصباح الجميل" لينسحب ذلك على اشتغال نصي يؤكد فيه الصراري عدم استقراره على تأكيد الانحياز نحو معنى عام يكون فيه الصباح أو النهار جزء من تفضيلاته الشخصية مثلاً، وميله إلى مديح العتمة والليل، حيث يصبح الأخير مرادفاً لذاته التي تنتج عالمها بعيداً عن الضجيج النهاري، ولتصبح الجملة الطويلة التي تميز نسق كتابته امتداد لشخص يحب الليل والأحاديث الحميميه ويغرق في الوحدة والهواجس العاطفية والغضب من إكراهات العالم عليه.
إن كتابة الصراري تأتي بشكل ما كمقاومة لإكراهات القلق وتشكيل صوت بعيد عن المجموع، ولكنها تتورط، وهي ورطة الكتابة الجديدة إجمالاً في حالة "مثاقفة" عالية، واستغراق نظري في إدارة الحوارات التي تشكل الكتلة الأساسية من النصوص بما يجعل جمهورها مغلقاً على جماعة محدودة.
من مزايا هكذا كتابة إنها تبني شراكة بينها وبين القارئ حيث تتمثل الهاجس الشخصي وهو ما يكاد يكون منطقة مشتركة بين الاثنين، وخصوصا قارئ هكذا نوع من الكتابة المحدود فعلياً.