الأربعاء، 3 يناير 2007

26/12/2006 ليلة للغبار


ماجد المذحجي
حزين.. أو ما يشبه ذلك!
أو ربما ارغب بالحزن. منذ فترة طويلة لم اُخلص لحزني، كنت افعل ذلك في سوريا.. كنت لا احرس مشاعري بأي شيء، واتركها تتعثر بما يُربكها، ويؤلمها، ويُشعرها بالسعادة. غبية تبدوا هناك.. وفجة. ولكنها كافية لأشعر بي حياً، وغير مسكوناً بالرعب من أي شيء. أتعثر الان بكل شيء حولي، وأصبحت مُصاغاً بعناية من الاهتمام الذي أريده.. ومسكوناً بفزع الأخريين، مُعطل بهم، وغير حر بالمرة. أتلفت كثيراً حولي، و أتشمم روائح الشوارع بفزع خشية أن تتسخ خطواتي
لم اعد اشعر بالأمان تجاه قدمي، وأخشى تعثرها وهي تريد أن تركض عمياء للأمام، ولا تعرف إلى أين تدلني؟!. خائف، ومفزوع، وأريد إنكار كل شيء.. حتى وجهي!!.
وحدي الان في ليل صنعاء، معزول حتى العظم في مكتب بارد. مُربك، وحزين، ويلفني ليل كثيف لا أغنية تخدش وجهه، أو تبدده!. أطرافي أصابعي باردة. روحي مغصوصه ومكشوفة لغربة ثقيلة. وترتطم الذكريات بجمجمتي كأنها حجارة غاضبة. لاشيء افعله سوى النقر على مفاتيح الكيبورد بعماء كامل.. وتدخين السجائر بشره من سيذهب لموته الأخير. أدخن كأنني أدخن أعصابي. أتخيل أنني اسحب أعصابي من جسدي، اطويها بأصابعي، واحشوها بكل ذلك الكلام التالف الذي تخبأ طويلاً فيها. وأشعلها بعود كبريت وحيد... وشامت.
اشتاق للكثيرين. كل أولئك الذين تركتهم.. وابتعدت عنهم، رغم أنهم منحوني كل ما اشتاقه الان، وجافيته بقسوة حين غادرت. ربما فعلت ذلك كي احرس نفسي من الم المسافة.. منهم.. من ضحكاتهم.. من أصابعهم طرية تُمسك بقلبي فتدمع عينايّ. ليس هذا مبررا كافياً لخذلانهم، ولكنني اضعف بهم.. حين أحدثهم.. حين أتذكرهم. واكتشف كما أنا غريب هنا في هذه البلاد، ولا يربطني بها سوى الطريق إلى قبري.
أشعر أنني متروك هنا.. لوحدي.. لا احد معي.. ولا احد يرغب بان يكون معي. أجدف بيدين عاريتين في مواجهة حياة كاملة فاجأتني بأنها موجودة وقاسية.. وأنني لم أكن اعلم بها!!.
كنتُ غبياً، أو ربما سافلاً، أو ربما لم افهم حزنها، و لكني اشتاق لضحكتها الان. تلك التي تركت المقعد المجاور لي وهي تلتفت بألم وتخبرني: لا تحاول أن تتصل أبداً. لا شيء يضيئني الان. لا ليل في صنعاء دونها. لا شيء ينقذني منه ومن برده.. من صوتها يثقب جمجمتي ولا ينام. روحي مُنهكة من غيابها وغضبها. وأتألم من كل شيء، وابتل بالحزن تماماً كلما غدرت بي هذه الشوارع السافلة ولم تدلني عليها. لماذا لم أصادفها حتى الان.. لماذا أتفاجئ بوجهها في كل مكان رغم غيابها.. ولماذا أتذرع بكل شيء كي أراها ولا استطيع!!؟. هذا أنا إذاً: ناقماً عليّ.. مهزوم مني.. وغريبا دونها.
ياااه، إنها ليلة عيد ميلادي، 26/12، أتهيأ منذ الليلة التي قبلها لمواجهة اكتئابها المعتاد، واقنع نفسي أنني سأكون سعيداً لمبررات كثيرة، أحاول أن أعدها كي اقنع نفسي.. واخسر ذلك. يُزعجني أن اكتئب دوماً في هذه الليلة، وأعاهد نفسي باستمرار أنني سأفلت من هذا الاكتئاب في العام القادم.. ولا افعل؟!. أدحرج نفسي في الشوارع منذ الصباح.. اذهب لمكتبي.. اخرج منه..أتحرك .. هنا.. هناك.. ولاشيء يبعث على التعزية، لاشيء مميز. يُمكنك أن ترمي نفسك احتجاجاً تحت إطارات عابره ولن يكترث احد من حولك. كم أنا سيء، ولا افهم لماذا يؤلمني احتفال الناس في العالم بأكمله برجل ميت!!؟.
يسووووع، لقد مات أو غادر نحو السماء. لا اعلم!!؟. لكنهم يشعلون كل تلك الشموع لأجله. يزينون شجرته. يرفعون الأنخاب. يرقصون. يقبلون بعض. يتبادلون الهدايا. وكلهم يرددون ذلك: " هابي كريسماس ". ويتمنون أن يعرف يسوع كم هم سعداء به، ويشتاقون له.
لا احد سعيد بي سوى نفسي.. وفي هذه الليلة بالذات حتى هي تعافني!. سرق مني يسوع عيد ميلادي. لم يكن عطوفاً حين فعل ذلك، لم ينتبه لي. سرقه بكل بساطه وغادر للسماء. وهانا اركل الحصى.. اعد الفرح الغريب في عيون الآخرين، وأهز رأسي بانتظام وأنا أقول: ( شكرا لاهتمامك )، لكل من يهنئني بعيد ميلادي. كم أبدو مُحايداً تماماً، وكأنما الأمر لا يخصني، وكأنني استلم شهادة تقدير ما، نيابة عن شخص ما، لم يستطع الحضور فقط؟!
نشرت في موقع جدار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق