الثلاثاء، 5 أغسطس 2008

الإنحياز لإختيار نسوي صعب!


ماجد المذحجي
تنتمي اروى عبدة عثمان إلى جيل الخيارات الصعبة، حيث يُمكن وصف لحظتهم الزمنية بكونها تكثيف للشغف والاحلام والتناقضات الذي اثارته السرديات الايديولجية "اليسار، القومية" في المجتمع اليمني، علاوة على كون الثمانينات كانت اخر العهد ببقايا مشروع الدولة الطموح الذي اثارة حلم الحمدي القصير في اليمن "الشمالي حيث نشأت اروى".  المسألة تعلقت منذ البداية بامرأة انتزعت اختيارها الصعب في محيط اجتماعي مناهض للصوت النسوي منذ البداية، وكانت "تعز" المدينة حيث نشأت في البداية بؤرة فعل سياسي نشط ومعارض للجملة السياسية والثقافية والاجتماعية السائدة لم تنجو اروى من التداعيات التي يثيرها بالضرورة.
إن المزاج الذي تعمل في إطاره اروى باحثة وكاتبه ومبدعه مهتمه بالتراث هو استمرار للشغف ذاته الذي ميز ثورتها كامرأة "يومية" ضد التقاليد الاجتماعية البائسة ستنحاز بالضرورة مع الجملة الانسانية المحررة من الوصاية، ولكن مع خفض سقف حلم التغيير والاهتمامات الذي ميز جيلها واستهدف التحويل "الثوري" لليمن والعالم في البداية، لينخفض السقف نحو الممكن والمهمل الاقل ضجيجاً، ويصبح ذلك مشروعاً ثقافياً للنظر في التراث واعادة الاعتبار إليه عبر قراءة مكوناته، والانتصار للجملة النسوية فيه، وهي الجملة التي تكشف عن حساسية جمالية وثقافية عالية مواربة في "التفاصيل" التراثية ضد بنية السلطة الذكورية المهيمنة، التي تبدأ في العلاقات الاجتماعية لتنهتي في حقل السياسية مؤسسة لادوات القمع الشمولي لاحقاً.
اسست اروى بيت الموروث ليكون محل لممارسة فعالية نقدية جديدة، وتحسست الندوات والفعاليات التي قام بها "البيت" مناطق غير معتادة في المكون الثقافي اليمني، حيث تم استدعاء "المدرهة" و"المشاقر" و"الفلكلور العدني" وصورة الحاكم في التراث" لتكون محل النقاش العام، وهي عناوين تفصح عن طبيعة المزاج الذي يحكم العمل، حيث يصير "المهمل" والصامت في المخيال الشعبي مؤشراً نوعياً يُعتمد عليه لقراءة الثقافة السائدة، ويُعاد بهكذا فعل النظر بالبديهيات المستقرة التي لم يتم النظر إليها مسبقاً بهكذا طريقة!
يُعاند حضور اروى العام الاستقرار المحافظ في اليمن، وبدءاً من الكتابة الصحفية السياسية التي تشاكس بها "السلطة"، وليس انتهاءاً بالملمح الشخصي تماماً حيث تحضر في الحياة العامة بدون "غطاء" للرأس، تؤكد على نموذج نسوي متفرد لم يستسلم للإملاءات المحافظة في الحياة اليومية، والتي قد تاخذ طابع عدواني مباشر يطال اختيارها المتفرد.
إن اروى عبدة عثمان هي تأكيد محدود، يتجاور مع نماذج واختيارات نسوية قليلة في اليمن مثل امل باشا وجميلة رجاء ونبيلة الزبير وراقية حميدان وعفراء حريري ونادية الكوكباني وبلقيس اللهبي ومنى صفوان وميض شاكر وسهى باشرين واخريات، على الاداء النسوي المتميز الذي ينجز بشكل نوعي في ظل فرصة محدودة تتاح اجتماعياً امام النساء.
نشر في صحيفة الشارع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق