الجمعة، 8 أغسطس 2008

القضاء اليمني يخسر المواجهة الاخيرة من اجل السمعة!


عن قضية الخيواني
ماجد المذحجي
لم يعد القانون محل تعويل على أراضي الجمهورية اليمنية. تتآكل الثقة به والركون عليه في ظل تعليمات تصادر على القضاء استقلاليته، وتدفع ليس إلى التلاعب بالقوانين، أو تجاهلها، بل إلى التزوير في الأحكام الصادرة باسم القائمين عليه! ذلك مآل محزن يصير له الحلم بدولة القانون والمؤسسات في "اليمن الجديد"، حيث تنخفض الحساسية الاخلاقية، ويصبح يسيراً اللجوء لمنطق العصابات حيث كل شيء مباح.
لقد عملت هيئة الدفاع عن عبدالكريم الخيواني ضمن تقاليد القانون وبأدواته، مستسلمة للثقة بكونه محترم ونافذ، ولكنها أعلنت في الأخير أنها كانت "كمن يتملق ضبعاً"! ذلك يصف تماماً تمسكها بالقانون في مواجهة كل ذلك التعسف والتوحش القائم ضد موكلها، وما دفعها لهذا الغضب كان واقعة تبرره بالتأكيد: إنه "تزوير في محرر رسمي" وفق ما وصف به الدفاع إضافة فقرة إلى منطوق حكم جلسة 9 يونيو، التي تحولت بإرادة مهيمنة من 16 فقرة في البداية إلى 17 فقرة لاحقاً، رغم توثيق الحكم من عدد القنوات الفضائية ووكالات الأنباء التي حضرت ووثقت بإذن القاضي نفسه!
المسألة كلها تفصح عن العبث، وعن "فعل جرمي أخرق وشائن غير مسبوق" دفع هيئة الدفاع (المكونة من هائل سلام ونبيل المحمدي ومحمد المداني) إلى اللجوء لمؤتمر صحفي بمقر نقابة الصحفيين، يوم الأحد الماضي الموافق 3 أغسطس، لإعلان صدمتها وموقفها من التزوير في الحكم، الذي تم التسويغ له بقرار شعبة الاستئناف في الجزائية عدم النظر في الطلب المستعجل الذي قدمته لتوقيف الحكم، وهو طلب مكفول قانوناً وفق المادة 243 مرافعات، والاستمرار تبعاً لذلك في حبس غير قانوني للخيواني حسب إعلان هيئة الدفاع في مستهل البيان الصادر عنها.
لقد حاولت هيئة الدفاع فور وقوع التزوير استنفاذ الخيارات "كي لا يوصف القضاء الوطني بالتزوير"، وحتى لا تضطر إلى "سلوك طريق المخاصمة، أو الشكوى" بالقاضي، ولجأت إلى "القضاء" ذاته بطلب مستعجل لتوقيف الحكم، مع إرفاق الطلب لشعبة الاستئناف بتسجيل فيديو يوثق منطوق الحكم الذي تلاه القاضي، وهو القاضي الذي ترتفع ولايته فور النطق بالحكم، وتصبح علاقته به عقب ذلك كعلاقة أي شخص آخر، ولا يجوز له بعد النطق به "تعديل الحكم، أسباباً ومنطوقاً، حذفاً أو إضافة، بأي حال من الأحوال"، مراهنة على أن هذا الطلب سيوفر فرصة لـ"قضائنا المبجل لإزالة الخطأ وتصحيح الصورة"، كون المفترض بـ"الشعبة" هو النظر في الطلب والفصل فيه وفق "قواعد القضاء المستعجل"، وهي فرصة تم إهمالها لصالح تأكيد انطباع "شائن" عما تهدره السياسة من "كرامة" للقضاء حين تتسلط عليه.
يتفرغ القضاء للتنكيل بالصحفيين دفاعاً عن سمعة تمت إهانتها بتزوير علني وموثق، ومجلس القضاء الأعلى وجد من فتحي أبوالنصر، وصحيفة "الثوري"، ضحية سهلة ينتقم فيها لنفسه حين عجز عن مداراة واقعة بشعة تنال منه حقيقة أكثر مما ألحقته به مقالة "ابوالنصر" المفترض أنها أهانته! وحتى الآن لم يجد المجلس المبجل وقتاً للتفرغ للرد على مذكرة نقابة الصحفيين، ومذكرة منظمات المجتمع المدني، بخصوص واقعة التزوير، التي وصفت بـ"التحوير" تأدباً أمام القيمة الكبيرة التي يمثلها القضاء، مثلما وجد وقتاً شبيها لرفع الدعاوى على الصحفيين، ليصبح بذلك "الخصم والحكم"!
إنه تناقض صعب ومخجل ذلك الذي يسير نحوه مصير العلاقة بين القانون، كمحل للعدالة والإنصاف والنزاهة، وقضية الخيواني. ويصبح القضاء في بلادنا تبعاً لذلك حارساً على عدالة مشوهة يتم النيل منها علانية ودون محاسبة، وليصبح التأكيد على استقلاليته، وعلى دولة يسودها روح القانون وتعاليمه، افتراضاً نظرياً يجافي وقائع متكررة تقول بالعكس تماماً (وهي وقائع وإن أفلتنا بها من قضية الخيواني، ستصل بالضرورة إلى محاكمات قيادات الحراك الجنوبي، والحبس غير القانوني لمعظمها في مقار الأمن السياسي، وعدم توجيه التهم لهم أو تحويلهم للنيابة، رغم انقضاء فترات طويلة عليهم في السجن السياسي، وكل ذلك بالطبع خارج ما ينص عليه القانون بخصوص مكان السجن، أو مدته، أو القائمين على تقرير الحبس ذاته، قبل المحاكمة! علاوة بالطبع على قضية الفنان الجماهيري فهد القرني الذي يحاكم على التهم نفسها "ذات الطابع السياسي الصرف والتي تتعلق بحرية الرأي والتعبير" مرتين، في تعز وصنعاء، وأصدر الحكم عليه في الأولى الساعة الـ 6:30 صباحاً، أي قبل بدء الدوام الرسمي، وهو ما تم كما يبدو هروباً من الناس وخجلاً بالحكم!).
لقد أعلنت هيئة الدفاع "أسفها" كون إيداع عبدالكريم الخيواني في السجن تم من قبل النيابة الجزائية المتخصصة بالمخالفة لأحكام القانون، وهو ما تم تداركه لأجل تبريره بإضافة فقرة مزورة في الحكم! كل ذلك تم نكاية بتمسك هيئة الدفاع بالقانون، والعمل من خلاله باحتراف لم يألفه القائمون على الأمر؛ الأمر الذي هدد "الفبركة" كلها، مما اضطرهم إلى كل ذلك: التزوير، والحبس المتعسف، والنيل من سمعة القضاء والقانون في اليمن.
إنها خيارات اليائس الذي استنفد كل ما لديه فأصبح يجاهر بالخصومة والأخطاء دون أن يأبه أو يخجل، وما يحدث الآن من اصطفاف تجد فيه الصحافة، والعمل المدني والسياسي، نفسها بمواجهة القضاء هو نتيجة لتمسك السلطة بانتقامها المخزي ودفاعها المجنون عن شهوة التنكيل بخصم أعزل.
بالتأكيد يحتاج الأمر إلى أكثر من جرأة هيئة الدفاع وأسفها، يحتاج إلى تحرك واسع لا ينقذ فيه الخيواني فحسب من السجن والتعسف، بل ينقذ فيه القضاء أيضاً من الأخطاء، والأوامر، والضعف، والتسلط السياسي، والسمعة السيئة. يحتاج الأمر لمواجهة سلطة بائسة تفسد بإصرار حلم هذا المجتمع بدولة حقيقية ومحترمة، وتحول مصيرنا الجماعي نحو مستقبل لا تقبل منه سوى الكوارث والحروب.

نشر في صحيفة النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق