الأحد، 4 مارس 2012

اليمن الجديد، عن المأزق والإستبعاد والفرص الضائعة


ماجد المذحجي
يبدو اليمن الجديد حتى الان اسير لخصومات سلفه، ودون تغيير واضح يمضي مستقبل الصيغة الحاكمة فيه نحو إعادة إنتاج نفس الخصوم التقليدين، ضمن إحياء لافت لتركة الاستبعاد السياسي والاجتماعي السابقة ومع القليل من التصرف في اساليب التعامل مع المشكلات الوطنية، لهذا لا يبدو غريبا مناخ الاستقطاب الحاد، ذو النكهة الطائفية، في مواجهة الحوثيين شمالا، أو الفرز على قاعدة الوحدة والانفصال في مواجهة الحراك جنوبا مع بذل الجهد لتجريده من سلميته باعتبارها امتيازه الاخلاقي، وتجاهل انهم بالاساس ممثلي المشكلة الوطنية الحاده وناتج لها، أكثر من كونهم جهات سياسية ينظر لها كمنافس، ويتضمن ادائهما الكثير من المشكلات التي يفترض التعاطي معها بروح المسؤولية لاتضخيمها باتجاه حيازة الشرعية لاستباعدهم والفتك بهم.

علاوة بالطبع على كثافة اللجوء إلى التضليل والتعميمات العاطفية على قاعدة افكار مثل نجاح حكمة اليمنيين، ونجاح التغيير، وانجاز المرحلة الاولى من الثورة... الخ، واعتبار كل خارج على هذا التقديرات «رافضي» سياسي جديد يشوش على نقاء الحالة الوطنية الجديدة، واستبقاء دائرة الاولوية فقط في مؤسسة الجيش وإعادة هيكلته على شرط استبعاد «بقايا النظام» وغض الطرف عن «حماة الثورة»، وبالمقابل عكسيا لدى الطرف الاخر، ثم المضي في مسار الحوار الوطني كهدف في ذاته لا باعتبارة وسيله لاعادة ترتيب البيت الداخلي لليمنيين ضمن إصغاء وتفهم كامل لمخاوف وطلبات كافة الشركاء.
ومن اللافت أيضا ان اليمن الجديد يدشن معالجاته بذات المزاج السابق حيث لايتم التعرف على أصوات الضحايا، ويتم ادماجهم في فكره عامة مثل المصالحة مع مراعاة المصلحة الوطنية العامه، حيث هم في اطارها بلاهوية ودون تمايزات. وهكذا يؤسس العهد الجديد حضورها في وعيهم على تأكيد ذات الاستبعاد الذي عانوا منه، حيث هم من البداية خارج عملية العدالة وروحها وهي التي يفترض ان تعنيهم لا ان تقصيهم، وكل ذلك يتجلى ذلك في قانون العدالة الانتقالية الذي قدم كمشروع من قبل وزارة الشؤون القانونية في حكومة الوفاق، ويفترض به ان يستجيب ويتعامل مع الارث العميق لإنتهاكات حقوق الانسان في اليمن، بما يؤدي إليه العمل، او مايفترض به بالاصح، في ذلك من تعزيز للتحول الجديد في اليمن ودعم الانتقال إلى الديمقراطية وإعادة ثقة المجتمع بالدولة عبر حزمة اجراءات تتضمن الانصاف والعدالة لضحايا ممارسات الاستبداد والقمع في هذه البلاد، وفي حال النجاح بذلك يمكن الحديث عن تأسيس قاعدة حقيقية للمصالحة الوطنية تتعدى الجانب الشكلاني والمزيف الذي يبدوا ان مسار هذا القانون يؤدي إليه.
إضافة إلى ذلك وتلك تبرز اشكال مختلفه من النزاع والعنف في اليمن بشكل تلقائي مؤخرا، وهو امر يتم تبريره والتعايش معه دون قلق، فهو نسق ثقافي مهيمن ويُحترم بشده على المستوى المجتمعي والسياسي، ويبدو كمعطى كثيف الحضور في الحياة العامة، وضمنيا يعتبر احد أشكال التسويات الرائجة التي يلجأ لها الأفراد والمجموعات بالعادة لحماية أنفسهم وللتحصل على الحقوق والرزق. وبالطبع ضمن ذلك الإقرار الواسع له يمكن تفهم كثافة حضوره مؤخرا، سواء على شكل نزاعات صغيره أو ضمن نزاعات واسعة، وبالتالي عدم وجود ردود فعل "شعبية" ساخطة تجاهه! ولا يبدو حضور الدولة نافياً للعنف، ضمن الافتراض النظري الذي يؤكد أن تواجد السلطة يؤدي إلى تقلص العنف، كونها الجهة الوحيدة التي تحتكر شرعية العنف كما يُفترض، وكونها كمنظومة قوانين، وجهاز لإدارة المصالح العامة، وأداة قمع، تجفف أسباب العنف، وتخفض الاحتياج له. ويبدو الأمر الحاصل هو أن الدولة تتقاسم العنف مع اخريين، وأن تفاقم ضعفها وعدم قيامها بوظائفها بشكل عادل وعقلاني يعززه على المستوى العام، ويسوغ للناس استخدامه في مواجهتها والاستمرار في إضعافها، وتتشكل مصلحة لهم في حماية هذا الضعف وتكريسه. بالإضافة طبعاً إلى ان العنف مكون تأسيسي للدولة، واحد أشكال الشرعية "الضمنية" التي تتغذى عليها، وهي أقرت التعايش معه، وتقديم التنازلات والمنافع للمجموعات التي تمتلك نصيباً كبيراً منه، بل وغذت التنازعات بينها، سابقا وحاليا، في ظل استثمارات سياسية خرقاء من قبلها!
إن الاستمرارية في المسار الحالي بذات الادوات والروح القديمة لن يؤدي إلا إلى افساد السياسة في اليمن من جديد وتهيئة المناخ لعودة اسباب النقمة والغضب الشعبي لاحقا، والتأسيس لمزيد من الفشل وتفاقم المشكلات الوطنية واستئصال الفرص في مستقبل افضل خصوصا مع ما يبدوا من تقدير لدى صيغة الحكم الجديده من عدم اهتمام الناس ورهانها على رغبتهم بالاستقرار والخلاص مما حدث طوال عام بأي وسيلة كانت.
نشرت هذه المادة في صحيفة الاولى اليومية وموقع المصدر اونلاين

هناك 6 تعليقات: