السبت، 19 مايو 2012

رئيس توافقي في مهمة بناء دولة.. هل يستطيع؟


ماجد المذحجي
منذ ثورة 1962 ووصولا إلى ثورة 2011 تمتلك القوى التقليدية القدر الاكبر من المرونة في التسلط والاحتيال على الحلم اليمني، وكما شكلت تداعيات الصراع على السلطة عقب 26 سبتمبر مفتاحا لأسوأ الانقسامات المناطقية والطائفية التي ذهب ضحيتها الالاف من اليمنيين وصولا إلى حسم المعركة بعد احداث اغسطس واتفاق المصالحة و"التقاسم" الجمهوري الملكي، تمضي الامور حالياً في ذات المسار حيث الصراع على تقاسم السلطة في أشده، وتبدو ذات مقدمات الانقسامات الطائفية والمناطقية القديمة حاضرة حالياً بعد المبادرة الخليجية، حيث هي النسخة الحديثة من اتفاق المصالحة والتقاسم القديم.
واللافت في مسار التشابهات بين الثورتين هو نفس الاضطرار، حيث يبدو موقع الرئاسة "تسووياً" في الحالتيين القديمة والحديثة، فسبق أن كان القاضي عبدالرحمن الارياني هو البديل المؤقت والمجرد من العصبية والمقبول من جميع الاطراف باعتباره لايشكل تهديداً، وحيث هو الضعيف قياساً إلى القوى التي رجحته ومالبثت ان انقلبت عليه بعد أن بدأ يحمي موقع الرئاسة من الاعتداءات محاولاً بناء الدولة، مع اختلاف السياق والظروف طبعاً عن الوضع الراهن، وصولاً إلى عبدربه منصور هادي الرئيس التوافقي الحالي، فهو كما سلفه الارياني، بعصبية قليلة، ولا يشكل تهديداً وتم اختياره بغرض ضبطه لاحقاً، ولا يمتلك من مصادر القوة سوى شرعية دولية تخشى من انفلات الامور في خضم معركة دولية مع الارهاب تقع اليمن في قلبها، ورغم ان اداء هادي حتى الان يُظهر قوة وتحكماً وقيادية قوية ومبشرة وتبعث على الأمل إلا ان الحقائق القاسية مازالت تُظهر ان الطرفين المتوافقين مازالا، وسيظلان إلى فترة طويلة، يمتلكان اوراق الترجيح والحسم، وحيث هي معركة حماية الرئاسة وتأكيد استقلاليتها تجاه الجميع وبالتالي إعادة الاعتبار للدولة هي المختبر الحقيقي الذي ستضعه في مواجهة الجميع وبالتالي قد تعرضه لمصير سلفه القديم (الارياني) خصوصاً إذا بدأ هذا الفاعل الدولي يُخلي قائمة اولوياته من مشكلات اليمن.
يحتاج هادي للنجاة من هذا المصير القديم المتجدد إلى حماية نفسه عبر "التكثير" من خياراته السياسية. الاستثمار الفعال والسريع لموقف دولي يبدي اهتماماً باليمن في تفكيك أي مقاومة للاعتراف برئاسته وسلطتها، وبناء توافق وصلات مباشرة مع أطراف آخرين من حوله في الشمال والجنوب، يقعون خارج الاطراف السياسية ومراكز القوى المحيطة به التي تتنازع على التسلط عليه وتقاسم سلطته معه، وبناء عصبية حديثة تجعل من المدنيين والجمهور الحالم بدولة قوية هم جمهوره أدواته، والتحرك بهدوء وصلابة نحو إعادة الاعتبار لموقع الرئاسة كموقع حكم فعلي يستخدم ادوات ووسائل الدولة وهيبتها، وليست كما فعل صالح موقعاً يكرس انطلاقاً منه إضعاف الدولة وادارة الحكم بأدوات ليست لها، ومحلاً لإنجاز التسويات بمخيلة ناهب يتقاسم الغنيمة مع آخرين.
شخصياً لم أعد أعول على الثورة منذ تخلت عن "مثالها الاخلاقي"، لتتحول إلى شكل من المساجلة الفاسدة في الفيس بوك والصحف يتم فيه استثمارها كمنصة لإطلاق التهم ومنح الصكوك ومصادرة المختلفين، والقيام بتدوين رواية واحدة عن الصواب يصب في مصلحة اطراف بعينهم، وحيث اليمن تعيد إنتاج تاريخها بسخرية شديدة, فالثورة هي فعل نبيل وملهم في البداية، يعيد ترميم الهوية الوطنية الجامعة التي تم الاعتداء عليها بفعل الاستبداد، وماتلبث أن تتحول إلى حاضن لمحركات التخلف والتسلط التقليدية بشرعية جديدة يتم عبرها إسقاط الفرص وحشر الوطنيين في الزاوية ومن ثمة مُصادرة الدولة وإعادة تقاسمها برعاية اقليمية ودولية.
إن ما يبقيني على امل هو إمكانية أن يصبح عبد ربه منصور هادي رئيساً يمنياً حقيقياً استطاع أن يبدي حتى الآن إرادة قوية تبعث على التفائل، على الرغم من كل التعقيدات والظروف التي احاطت بتوليه موقعه من البداية، ويتولى لأول مرة مسؤولية بناء فرصة امام اليمن لكي تنجو ويعيد الاعتبار لحلم كثيرين أسقطه الانقلاب على الثورة وتقاسم جثتها من قبل الجميع.
نشرت في صحيفة الاولى

هناك تعليق واحد: