السبت، 26 نوفمبر 2011

الآلية التنفيذية: ضمانات للتسوية بين شركاء متخاصمين


ماجد المذحجي
شكل المحتوى السياسي والقانوني للآلية التنفيذية الخاصة بالمبادرة الخليجية محل "تنجيم" لفترة طويلة قبل إقرارة بصيغته النهائية ونشره في وسائل الاعلام باعتباره المنطلق الاساسي لصياغة ملامح اليمن ضمن توافق سياسي وطني وبرعاية، وضغط، اقليمي ودولي، كل ذلك في محاولة لايجاد تسوية بين الفرقاء تحاول استيعاب الحراك الشعبي الذي قدم من خارج النخبة السياسية اليمنية وخفض الضرر الذي احدثته الاحتجاجات في النظام اليمني بحيث لايتعدى الامر عملية "اصلاحية" تستجيب في حدها الاعلى لمطلب رحيل "صالح"، مع الحفاظ على ملامح النظام القديم ومكتسبات اطرافه، ضمن صيغة مزمنة وضمانات قانونية وطنية تعفيه، واولاده وشركائه، من المسائله، وتكفل خروجه بشكل رمزي من السلطه بأقل قدر من الاضرار ومع مقدار هائل مع الحساسية لكرامته الشخصية كما يبدو! بحيث يظل رئيس بصلاحيات كبيرة، بعد تجريده من قدر منها لصالح النائب، واحتفاظه بالموقع الاول لفترة لاتقل عن ثلاثة اشهر، وتسوية ضرر بقائه في هذا الموقع الاول امام الجمهور الغاضب بالاتفاق ضمنياً على خروجه من اليمن لهذه الفترة على الاقل لتلقي العلاج في امريكا او المانيا، بعد تعهد الاخيرتين بمنحه تأشيرة رئاسية بما توفره هذه النوع من التأشيرات من ضمانات قانونية تجاه أي محاولة لملاحقته قانونيا اثناء بقاءه على اراضيهما.


يتضمن محتوى الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، التي استعرض في هذا التحليل الاولي لبعض محتوياتها فقط وخصوصا المتعلق بالمرحلة الاولى، ستة اجزاء رئيسية علاوة على التوقيع والتواريخ، تستوعب في مجملها تفصيلا شديدا لسير العملية السياسية وإدارة البلد خلال المرحلة الانتقالية المكونة من مرحلتين (تبدأ المرحلة الأولى مع بدء نفاذ هذه الآلية وتنتهي مع تنصيب الرئيس عقب إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة) بينما تبدا الثانية (ومدتها عامان مع تنصيب الرئيس بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد) بين طرفين اثنين هما (المؤتمر الشعبي العام وحلفائة) و(المجلس الوطني) الذي هو (اللقاء المشترك وشركاؤه) وهي في محتواها الاولي تتضمن اول اقرار سياسي بـ المجلس الوطني كطرف سياسي وطني على الرغم من كونه تختصر تعريفه باللقاء المشترك وشركاؤه وتستغني عن تعريفه بالمجلس الوطني للقوى الثورية، باعتبار القوى الثورية جملة فائضه لامحل لها في هذا الاتفاق السياسي التقليدي.

وضمن المستويات الهامة في هذه الآلية تأكيده على كونها تحل بشكل كامل كل الصيغة الدستورية والقانونية الوطنية السابقة على الحدث الثوري، ويعطل أي فرصة للاحتكام لها او الاحتجاج عليه بها، ومهما كانت مستويات التعارض التي تتضمنها هذه الاتفاقية مع أي محتويات دستورية وطنية او قانونية دولية، بما فيها واولها احترام حقوق الانسان وعدم افلات مرتكبي الجرائم والانتهاكات من العقاب باعتبار هذه الاتفاقية تهدر كل ذلك في تأكيدها على منح الضمانات من الملاحقة القانونية للرئيس وعائلته واعوانه، وتبدوا في مستوى ما اشبه ماتكون باعلان دستوري مؤقت على مدى عامين تم اقراره سياسيا وخارج أي إقرار شعبي كما هو مفترض، ولكنه أيضا لايحل او يعطل الدستور السابق بما في ذلك من تناقضات بين الاثنين حيث تُنشئ الآلية اوضاعاً قانونية تتعارض بشكل كلي مع الدستور ومع ذلك يفترض بالاثنين التعايش!

تتحايل الآلية على احد اهم مسائل الخلاف السياسي كما هو مفترض بين الطرفين والمتعلق بتفويض الرئيس لنائبة سوى من الناحية الاجرائية والشكلية لهذا التفويض او ضمن المحتوى، فتوقيعها هو فعل مساوي لصدور مرسوم التفويض بالصلاحيات الدستورية من الرئيس لنائبة، وهي صلاحيات محدده وليست كاملة كما يُفترض، وتمنح النائب صلاحيات ذات طابع مؤقت يمنحه السلطه على إدارة المرحلة الانتقالية مع احتفاظ "صالح" بمعظم صلاحياته الرئاسية، حيث ما هو مخول للنائب اثناء المرحلة الاولى، باستثناء الصلاحيات التي يتقاسمها مع الحكومة الانتقالية، هو التالي: ممارسة جميع مهام الرئيس المتصلة بمجلس النواب، اعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني في المرحلة الأولى وتنصيبها، جميع المسائل المتصلة بمهام لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، ادارة العلاقات الخارجية إلى المدى الضروري لتنفيذ هذه الآلية، اصدار المراسيم اللازمة لتنفيذ هذه الآلية. بينما تبدوا الصلاحيات التي لم تنزع من صالح اوسع من ذلك بكثير ومنها وفق المادة (119)، تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج ( حيث لم يخول صالح نائبه سوى المدى الضروري من التمثيل الخارجي لتنفيذ الآلية فقط)، الدعـوة إلى الاستفتـاء العـام، تسميـة أعضـاء مجلـس الدفـاع الوطنـي طبقـاً للقانـون، تعـيـين وعـزل كـبـار مـوظفـي الدولـة من المدنيـيـن والعسكريين وفقـاً للقانــون، إنشـاء الرتـب العسكريـة بمقتضـى القانـون، إعـلان حالـة الطوارئ والتعبئـة العامـة وفقـأ للقانـون، إنشـاء البعثات الدبلوماسية وتعيين واستدعـاء السفـراء طبقـاً للقانــون، وصلاحيات اخرى اقل اهمية.

لاتحدد الآلية بوضوح كيفية الأختيار وكذا قوام " لجنة الشئوون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار" التي يشكلها ويرأسها النائب ولاصلاحياته عليها، خصوصا في المرحلة الاولى التي يبقى فيها صالح قائدا اعلى للقوات المسلحة، وباستثناء المستوى الاجرائي الخاص بازالة مظاهر التوتر العسكري الحالي فهي اشارت بشكل خجول لموضوع كان مطروحا بشدة وهو إعادة هيكلة القوات المسحلة والاجهزة الامنية، حيث استخدمت تعبير (خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون) ويبدو واضحا من النص ان هناك مستوى من الاتفاق السياسي غير المعلن جمد وضع الانقسامات العسكرية الحالية واجل التعامل معها إلى مابعد المرحلة الاولى على الاقل باعتبار ذلك احد ضمانات صالح هو بقاء تشكيلات الحرس الجمهوري والامن المركزي في يد عائلته، ولم يوضح النص مدى صلاحيات النائب للتعامل مع القادة العسكرين الذي يقومون بأي خطوات قد تؤدي إلى مواجهات مسلحة، وهل يمتلك مثلاً سلطة العزل؟ علاوة على كون النص كان واضحاً في استثنائه للاجهزة الامنية، وتحديدا الامن القومي والامن السياسي، من أي محاولة لإعادة النظر فيهما، وبالتالي تجاهل سوء السمعة الشديد المتصل بهما على صعيد انتهاكات حقوق الانسان وهي احد اهم اسباب خروج اليمنيين في هذه الاحتجاجات الثورية، علاوة على عملية تحديد وظائف حقيقية لهما تنبع من احتياج فعلي وإخضاعهما للمسائلة العامة والرقابة القانونية.

تمنح الآلية وضعا تحكيميا للنائب في كامل المرحلة الانتقالية، وتضعه في موقع الطرف الحاسم في اتخاذ القرارات حال نشوء أي خلافات ضمن الوضع التوافقي الذي اقرته الآلية كوسيلة لادارة البلاد بين الطرفين السياسين، ويبدو في مضمون الآلية تأكيدا على الوضع الرمزي للصالح في الموقع الرئاسي الاول خلال المرحلة الاولى، حتى لو تنتزع منه كل صلاحياته، حيث يبدو خارج أي مسار سياسي او تنفيذي في الآلية، ولكنه الآلية لم تتضمن أي ضمانات لمنع أي ضغوط أو تأثير في قرارات النائب عبدربه منصور هادي الذي يبقى على المستوى الفعلي هو الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام الشريك في الحكومة الانتقالية خلال المرحلتين، والذي سيكون لزاما عليه بقرارات حزبه وحضور اجتماعات حزبية يخضع فيها لسلطة صالح كرئيس له!

لم توضح الآلية أيضا كيفية تشكيل وكذا قوام لجنة تفسير المبادرة والآلية التي يشكلها كل من النائب ورئيس وزراء الحكومة الانتقالية خلال 15 يوما من التوقيع على الآلية، باعتبار هذه اللجنة ستتخذ موقع المرجع التحكيمي في حال نشوء أي خلافات في تفسير النصوص، ولكن الآلية في المواد الختامية تؤكد على الدور الحيوي لدول الخليج والدول دائمة العضوية والامم المتحدة واخرين في ضمان تنفيذ الآلية بشكل فعال، وهو مايبدو الضمانة الفعلية لتحقيق ذلك.

تعيد الآلية إنتاج الذهنية اليمنية السياسية التقليدية ذات الطابع التسووي التي طبعت مسار التاريخ اليمني الحديث بكل ما انتجه ذلك من كوارث وطنية، وهي اتفاق ذو مضمون متحايل، جمع بين شركاء متخاصمين، يلمح ولايصرح بالاعتراف بالخروج الثوري لليمنيين واليمنييات، واتت نتيجة مسار طويل من التفاوض السياسي المعقد بين الطرفين وحاولت الاستجابة لمخاوفهما وشكوكهما المتبادلة ضمن جهد تفصيلي حاول نزع أي اسباب لتعطيلها او انفجار الاوضاع، وتحاول ان تمرر الاختناق الحاصل بشكل بطيء لتفريغ المناخ السياسي من اسباب الاتفجار العسكري بشكل اساسي، ولكنها بشكل حاسم صورة واضحة لطبيعة الاداء السياسي اليمني المتردد وغير الحاسم، والخاضع للاخر الاقليمي والدولي، الذي شعر بالرعب من هذا الخروج الجماهيري الشعبي الواسع الذي طالب بتغيير صيغة اليمن كليا بما سيشكل ذلك من تهديد حقيقي لمكتسباب اطراف متعدده منها الاقليمي والوطني الذي التحق بعض منه، بشكل انتهازي، بالثورة للحفاظ على مصالحة وللحد من اضرارها عليه.
نشر في صحيفة الاولى وموقع المصدر اونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق