السبت، 21 مايو 2011

فرصة أخيرة أمام الوحدة

ماجد المذحجي
تتقاطع القضية الجنوبية مع واحدة من أكثر الاشكاليات حساسية واهمية بالنسبة لليمن الحديث، وهي الحفاظ عليه موحدا أو إعادة تقسيمه، بكل التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الذي سينتجه الخيار الاخير إذا نزعنا من الامر ردائه العاطفي والوطني المتعلق بالوحده كامر مجرد في ذاته وتستمد قيمتها من تعاليها عن الوقائع في الارض! بما يجعل من القضية الجنوبية الشأن الاكثر اهمية في ما بعد الثورة الحالية بالنسبة لمستقبل اليمن بعد انقضاء "عهد صالح".

منذ انطلاق الحديث عن إصلاح مسار الوحدة ضمن تيار في الحزب الاشتراكي تصدره مسدوس وآخريين، وبدء تحرير الجملة الجنوبية المحتقنه منذ حرب صيف 94 من صمتها، بدأ الجنوب يتبلور اجتماعيا وسياسياً خارج فكرة الوحدة المصمته والمعززه باكراهات الدعاية الرسمية والقمع الامني، ليتصاعد الامر نحو استعادة حماسية للجنوب تبدأ بتسوية الملعب الجنوبي في مواجهة النقيض الشمالي ضمن فكرة التصالح والتسامح، ليتعزز الامر باول مطلبية جنوبية واضحة تملك دافعا واضحا في الارض استطاعت ان تحشد الناس من حولها  وتمثلت في حراك المتقاعدين، وصولا إلى التبلور الجنوبي الحالي في الحراك السلمي الذي اندفع بقوة إلى المشهد منذ 2007 وحتى ما قبل الثورة الحالية.
كل هذا "الإنضاج" الزمني للقضية الجنوبية والمعزز بتعالي سلطوي يختصر الامر بمواجهتها في اللعب على خارطة تناقضات القوى الجنوبية وتحجميها بمطرقة امنية ثقيله، والتي امتلكت شرعيتها الاخلاقية والسياسية من الدفاع عن وجودها تجاه "التصميت" القسري لها ومن إنصراف لااخلاقي من القوى السياسية والاجتماعية "الشمالية" تجاه ما يحدث جنوبا، دفع بهذه القضية نحو المستوى الاعلى من مطالبها: المطالبة بحق تقرير المصير.
شكل رفع شعار المطالبه بحق تقرير المصير من قبل جزء كبير من قوى الحراك الجنوبي اعتداءً على الوحده باعتبارها احد اهم مصادر "شرعية" صالح ونظامه، وهتك احد اهم القداسات الوطنية التي تصدرت خطاب الحركة الوطنية اليمنية شمالا وجنوباً منذ ما بعد ثورة الشمال واستقلال الجنوب في ستينيات القرن الماضي، واصبح على اليمنيين بعد 2007 ان يتكيفوا مع نبرة جديده في المشهد الوطني لا تقر إبتداءً ما كان يُظن امراً مفروغاً منه: أبدية هذا الوطن الواحد.
 صعوداً من 2007 إذاً بدأ الخيار الجنوبي الاستقلالي يتعزز اكثر واكثر، ويتغذى على اخطاء ورعونة سلطة تعتسف الارض والبشر، وبدأ جهد حثيث أيضاً على تأسيس هوية جنوبية، أو استعادتها وفق الجنوبيين، في مقابل ما يرونه هوية شماليه مهيمنه، ضمن اداء بالغ الاهمية سيعمل على إعادة تعاقد الجنوبيين حول رموز تخصهم، علم جنوبي واغاني جنوبية وحتى رئيس جنوبي، بما يؤسسه ذلك من "انفصال" على المستوى الرمزي والنفسي سيتحول لاحقاً إلى عناصر تغذي حماسة وطنية جنوبية في مواجهة محتل شمالي.
هذا التصاعد الجنوبي الذي بدأت خارطت انصاره تتسع اكثر وأكثر واصبح يشكل تحديا حقيقيا، وباستثناء الاعاقات والتنازع الذي حصل ضمن الصف الجنوبي فأن مسار الاحداث كان يشير إلى مآلها البعيد والمعلن من قبل الجنوبيين خصوصا أن سلطة صالح لم تغير ادواتها ولم يبدوا انها تأبه، إلى ان استيقظت المنطقة العربية بأكمله على الحدث التونسي والمصري كحدث جذري  ملهم اعاد رسم طريق الشعوب العربيه نحو مسار آخر.
التحق اليمنيين بـ الربيع العربي ومنذ أكثر منذ ثلاثة اشهر حتى الان ينجز اليمنيين ثورة هي الاعقد فيما يبدو بمواجهة طاغية دموي ومراوغ. تبدوا اهمية هذه الثورة في مستوى ما أنها منحت فرصة اخيرة لليمن الموحد، واعادة الاعتبار لاول مره للوحدة بين اليمنيين شمالا وجنوبا منذ قامت حرب صيف 94 بدق اول مسمار في نعش هذه الوحدة، وعلى الرغم من هذه الحماسة الوطنية الوحدوية شمالا وجنوبا إلا ان القضية الجنوبية مازالت تمتلك اسباب بقائها ومالم يتم وضع القضية الجنوبية على الطاولة بدون أي تحفظات تجاه المخاوف التي تبديها القوى الجنوبية، والنقاش معها ضمن افق وسقف مفتوح من قبل كافة القوى السياسية والاجتماعية في اليمن فأن مسار هذه القضية سيعاود الالتهاب وبدون أي فرصه لاطفاء الحريق الذي ستشعله لاحقاً.
نشرت في صحيفة الشارع الاسبوعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق