الاثنين، 16 مايو 2011

عن الثورة والحوثيين.. تحولات في قلب جماعة دينية


 ماجد المذحجي
يشكل اداء مجموعة الحوثي نموذجا لافتا حول قدرة إطار عمل ديني محافظ ينهض من قاعدة تمثيل مذهبية واجتماعيه وجغرافيه على التكيف السياسي، ببراجماتية عاليه، مع الفعل الثوري الحالي في اليمن بتعقيداته المختلفه وبقدره واضحة على تفهم الحساسيه تجاه الجملة المذهبية المعرّفة بها (الزيديه) والموقع التمثيلي القادمين منه (الشمال)، وذلك في علاقتها،اي جماعة الحوثي، مع ارث اجتماعي وسياسي سيء في الذاكرة الوطنية مع "المرحلة الامامية" و"عكفتها" يقرنهم الان، أي الحوثيين، مع تلك المرحلة أو يخشى من عملهم على استعادتها، علاوة على تداخل هذه التعريفات الملتصقه بهم في علاقتهم الراهنة مع  المكونات الاخرى، في الحدث الثوري الحالي، ذات الغلبه العدديه والقادمة من مكونات نقيضه على المستوى المذهبي (شوافع) والجغرافي، او على المستوى الايديولوجي والسياسي كاالاصلاح اوالتعبيرات الليبراليه واليساريه الموجوده في الساحات، واخرى نقيضه حتى على المستوى العسكري كالفرقه الاولى مدرع واللواء علي محسن، وكلها مكونات وقوى موجوده بفعاليه في التحول العميق الذي يُنجز حاليا في اليمن.  

لقد استطاعت جماعة الحوثي ان تخلق "طمأنة" نسبية تجاه حضورها الفاعل والكثيف، خصوصا في ساحة صنعاء، بشكل بدد ضمنيا الاحتراس  والحذر  القائم تجاه هويتها وتجاه الالتباس في اغراضها اللاحقه، باعتبار انها لم تنتج ملامح واضحة ومحدده لمشروعها ولتصوراتها السياسية يأخذ صيغة معلنه، وهكذا يظل الامر بخصوص ما تُريد الجماعة وتطمح إليه معلقا إلى باب التحليل والتخمين.
إن استجابتهم الذكية لاول اختبار مهم خضعوا له تفصح عن عدم تورطهم في قالب سياسي وديني جامد بل انهم يتبلورون ويتكيفون كجماعة ذكيه وبرجماتية للغاية على المستوى السياسي، افصح عن ذلك "نجاتهم" من الفخ السياسي الذي صار عليه انضمام اللواء علي محسن للثورة الشعبية بالنسبه لهم، بما يشكله هذا الاخير من نقيض "وجودي" لهم ، حيث صدروا ردود فعل متحفظه تجاه هذا الانضمام ولكن ضمن سقف يحول دون ان تصبح مواقفهم منه فعلا تفجيريا للحدث الثوري، ولم يستدعوا اسبابا للاعتراض، رغم وفرتها لديهم، ضمن تقدير برجماتي يؤجل "صراعهم" معه، ومع ما يمثله من تحالفات سياسية ومذهبية واجتماعية مُخاصمه لهم، إلى مرحله لاحقه اقل حساسيه بالنسبه للثوره الحالية.
إضافة إلى ذلك يمكن قراءة إدارتهم للوضع في صعده بعد الانسحاب الحكومي، المقصود في صعده بغرض تفجير الوضع فيها بين عدة فرقاء متخاصمين، ضمن ذات الحساسية الذكيه، فلم يستثمروا تفوقهم على الارض في "تعسف" السلطة كليا في المحافظة وفرض انفسهم بشكل كلي عليها، بل رجحوا التوصل إلى حل توافقي مع خصومهم المتعددين لادارة الوضع بما يضمن مصالحهم وعدم تهديد اسباب تفوقهم، ويحول أيضا دون  تصدرهم الواجهة في صعدة بما سيثيره ذلك من مخاوف وحساسيات إذا حدث ذلك، وهي مخاوف ستتغذى على دعاية رسمية ممتدة على طول جولات الصراع بينهم وبين "دولة صالح" بكونهم اصحاب مشاريع "امامية" ويريدون اقامة "امارة شيعية" وما إلى ذلك، ولكون اجتنابهم السيطرة على صعدة سيصدر رسالة ايجابيه عنهم لمختلف الاطراف الوطنية والاقليمية والدولية.
إن النموذج الذي يقدمه "شباب الصمود" المقربين من جماعة الحوثي في ساحة التغيير في صنعاء يقرب بشكل واضح صورة الاداء البراجماتي الذي تعمل الجماعة من خلاله الان، حيث استطاع "شباب الصمود" بناء علاقات وتحالفات غير متوقعه مع التمثيلات المدنية وذات النبرة الليبرالية واليسارية في الساحة، وحتى مع المجموعات النسوية الحديثة والمتحرره، بشكل يبدو متناقض نظريا مع الموقع الديني المحافظ، والمعلن، القادمين منه، وحتى وان بدا ذلك، في مستوى ما، سلوكا سياسيا "انتهازيا" في مواجهة الجماعات الدينية الاخرى في الساحة، وخصوصا الاصلاح الاقوى بين الجميع، إلا انهم لم يختاروا مثلا بناء تحالفات مع الكتل القبلية في الساحة، وهي كما يفترض اقرب بكل المستويات لهم، بل فضلوا الاختيار الاول ذو الطابع المدني ونسجوا مستوى رفيع من الثقة والتقديرات الموحدة للتفاعل مع الاحداث سوى على المستوى الضيق في إطار الساحة أو فيما يتعلق بالحدث الثوري برمته وتحولاته.
يثير كل ذلك في تداخلاته وما يخفيه اسئلة متفرقه عن ما سيُحدثه هذا الحدث الثوري والتكيف الذكي "للجماعة الحوثية" معه، كجماعة دينية سياسية تقع من الزيديه الان وضمنا في موقع الرأس من الجسد، من تحولات في قلبها وخصوصا ان ادائها يُفصح، على الاقل في تقديري، عن إدراك واضح لحجمها الفعلي وحساسيتها تجاه ما قد يُنتجه ارث تاريخي ملتبس للحضور "الزيدي" في الكثير من المناطق اليمنية من تداعيات على حضورها الوطني بأي مستوى كان هذا الحضور لاحقا، وعلاقة كل ذلك مع تاريخ طويل من الفعل الزيدي الرئيسي في صناعة الاحداث في اليمن.
لقد انتجت "الزيديه" كمذهب وتمثيل اجتماعي تقاليد ولغة سياسية خاصة بها خلال المدى التاريخي الطويل الذي كانت فيها احد اهم الفاعلين في صياغة احداث هذا البلد وتحولاته، مثلها مثل الاسماعيليه في مرحلة ما التي انتجت الامر نفسه لكنها انقرضت لاحقا بعد المرحلة الصليحية، ولم تعد تطمح ان لان تكون جماعة مذهبية ذات دور سياسي لتكتفي بالحفاظ على وجودها فقط، ولكن الامر تغير الان ولم تعد احداثيات السياسة والزمن والمجتمع والاقليم هي ذاتها القديمة بالنسبة للزيديه، وكما يبدوا فأن جماعة الحوثي الان هي الفاعل الاساسي الان الذي يقع عليه عبء إعادة انتاج لغة سياسية ووجه سياسي جديد للزيديه في واحدة من اكثر اللحظات تداخلاً وعصفاً في تاريخ اليمن.
نشرت في صحيفة النداء وموقع نيوزيمن
http://www.newsyemen.net/view_news.asp?sub_no=2_2011_05_16_55503

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق