الاثنين، 28 فبراير 2011

ما بعد تونس، الكتابة الادبية في مختبر التغييرات


ماجد المذحجي

يسحب الحدث العام العاصف في المنطقة العربية حالياً تأثيراته على كل المستويات، إنه يثير النقاش ويُحدث التغييرات في البنى السياسية والاجتماعية والثقافية بطريقة عاصفة، ويفكك اساطير مستقرة في الوعي العام.
بالضرورة مازالت النقاشات مفتوحة حول حجم التداعيات التي يثيرها "التغيير" في المنطقة العربية دون قدرة على "التخميين" بالحدود الذي قد يذهب إليها، ولكن انعكاساته الفعليه على فعل الكتابة الادبية ضمن الاقليم العربي يظل من مناطق النقاش الاكثير محدودية وغموضاً، وخصوصاً نقاش يجب أن يتطرق لمدى إنعكاس هذا "التغيير" الثوري الفريد، المجرد من الايديولوجيا إلى حد كبير والمتصل بحاجات الحرية والحياة للشعوب، على شكل ومضمون وحساسية الكتابة الادبية، خصوصاً وأنها تنتمي، أي الكتابة الادبية، عادة للمزاج المبشر بالتغيير أو المتناسل منه.

الامر متعلق عادة ببنية الكتابة باعتبارها في مستوى ما فعل شغوف بالتجريب والمصادفات وتنجز حضورها ضمن التعريف الشخصي المتفرد لكل كاتب، حيث هذا الاخير عادةً موسوم بالتمرد على الاطار الاجتماعي ومُفارق لالتزاماته ويؤكد تجربته الادبية والشخصية بمواجهة "المحافظة" في التفكير وضداً على "السلطات" السياسية والدينية والاجتماعية السائدة والمهيمنة في محيطه.
إتصلت التغييرات الادبية النوعية والريادية في الكتابة العربية بمراحل "التغيير" السياسي الثوري، المسلح والمؤدلج في غالبه، التي شهدتها المنطقة العربية، قبل واثناء وبعد انجاز الدول فيها لاستقلالها وثوراتها ضداً على المستعمر الاجنبي أو المستبد المحلي، لتشكل جزءاً مهماً، ومثيراً للجدل، من التفاعلات و"التغيير" الذي حدث، واصبح "الشعر الحر"، كمثال لذلك، الذي صعد كشكل في الكتابة الشعرية على يد بدر شاكر السياب عام 1948 بدايةً، هو النظير الادبي بمستوى لما لفعل الثورة السياسية والشعبية التي شهدتها المنطقة حينها، لتمتد تداعيات التغييرات الثورية والايديولوجية التي استمرت طوال عقود الخمسينات والستينات وحتى الثمانينات على اشكال الكتابة ومضامينها في المنطقة، وبذلك كان للحظة التغيير التاسيسية في الخمسينات أن تنتج مستوى مفارق من الكتابة الادبية المنقطعة في مستويات عدة ضمنياً عن تراث وتقاليد الادب العربي القديم.
بدءاً من عام 1990 وسقوط التقسيم العالمي "الايديولوجي" الشرقي والغربي، وبدء التغييرات في العالم التي امتدت لتكسر كل اشكال التقسيمات والحدود السياسية والاجتماعية والثقافية، وتتجاوزها وصولاً إلى تحويل العالم إلى إطار من التواصل المنفتح والموحد عبر وسائط الميديا والانترنت والاتصالات، إنتجت اشكال جديدة ومختلفة من الكتابة الادبية إنفتحت روافدها وتخييلها على هذا الفضاء والبيئة "المفتوحة" عالمياً.
لقد أصبحت السيولة الجديدة والهائلة في المعلومات والصور والافكار والمشاعر بيئة خصبة لتفاعلات الكتابة الادبية في المنطقة وعاملاً محفزاً على كسر المشاركة الادبية المغلقة على "اسماء" و"رواد"، لتأتي كتابات ومنتجات ادبية جديدة، بعضها من بيئات مغلقة لم تساهم طويلاً في الانتاج الادبي مثل الخليج، استطاعت أن تتحول إلى خيول سبق رابحة في سوق الكتاب على محدوديته في المنطقة العربية ومحل طلب من الناشريين، مجربه في اعمالها الادبية إشكالاً في التدوين والكتابة الادبية غير مُعتادة، تثير الجدل حول مدى التزامها بالمعايير الفنية التقليدية حتى بالنسبة للرواد الحداثيين، أو طبيعة استخدامها للغة، أو نوع الموضوعات التي تعمل عليه، ومقدار تداخل الذاتي فيها في العام او انسحابها منه.
إن الحامل الاهم في مكونات الثورة التونسية والمصرية الجديدة، التي تُحدث الكثير من الفوران في الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة إجمالاً، هم مجموعات من الشباب الذي يستخدمون لغة تعبير انشائها الفيسبوك والتويتر وماسجات الموبايل القصيرة، وهي ذات اللغة التي تم استنكارها والتهكم على خفتها وسرعتها، وعبر هذه اللغة تم إنجاز التحشيد والتهيئة والتنسيق لفعل الثورة والتغيير الذي فاجئ العالم ويعصف بالمنطقة دون معرفة بالحدود التي قد يصل إليها.
إن لغة التواصل الجديدة في وسائط الانترنت هي جزء من المادة الخام للكتابة الادبية القادمة على الاغلب، وما سيحدث من تغييرات في بنية السياسة والمجتمع العربي، وطبيعة تقدير الناس لذواتهم وموقعهم وعلاقتهم من السلطة ضمن الاطار الجديد الذي نشأ والتغييرات التي حدثت، ستكون عناصر مهمة في الكتابة الادبية العربية في ما بعد تونس ومصر، وستنعكس بمستويات عدة على الموقع الشخصي للكاتب من الموضوعات التي يتناولها، وتعريفه لهويته في الكتابه، والشكل الذي يقرر اللجوء إليه وينحاز له، وعلاقته بالذاتي والعام أثناء إنجازه لمادته.
نشرت في صحيفة الشاهد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق