الأربعاء، 23 فبراير 2011

عن تعقيدات "الثورة" اليمنية واحتمالاتها

ماجد المذحجي
يُحدث التغيير الجذري والثوري الذي حصل في مصر، وسابقاً عليه في تونس، الكثير من التداعيات الحادة التي تعيد تشكيل صورة المنطقة كلياً، ويمكن وصف ما حدث بكونه "تغييراً كاشفاً" عن تحولات عميقة في البنية الاجتماعية لشعوب المنطقة ووعي مكوناتها، خصوصاً الفئة الشابة منها، والتي أكدت على انفتاحها واعتمادها على أدوات عمل عصرية حديثة في السياسة والتحرك الاجتماعي، استطاعت أن تستفيد من ثورة الاتصال وسيولة المعلومات، وتقيم علاقة حيوية معها. علاوة على إفصاح هذا التغيير بالمجمل عن وجود قطيعة بين نخب السياسة العربية "الهرمة" والجمهور العام.

تداعي هذا التغيير على اليمن أصبح واقعاً بالفعل، حيث بدأت، وتستمر حتى الآن، تحركات شعبية ذات سقف مطلبي مرتفع في مواجهة النظام تنادي بتغييره وتستهدف رأس النظام الرئيس علي عبدالله صالح، ولكن احتمالات تطور الاحتجاجات التي تنحصر قاعدتها في تعز بشكل أساسي وصنعاء، باتجاه تحولها إلى ثورة، ما زالت مرهونةً باتساع قاعدتها الشعبية، وتنظيم مجموعة الشباب الفاعلة فيها بشكل أساسي لنفسها، ورهينة أيضاً بطبيعة ردود فعل السلطات التي لم تتخذ قراراً نهائياً بقمعها، وإن كانت تعمل على "وكلاء" أمنيين مدنيين وبلاطجة في مواجهة الاحتجاجات، ولم تدخل جهازها الأمني بالكامل في المواجهة.
إن قيام فعل ثورة بالمعنى الواسع في اليمن يعتمد على عناصر عدة؛ منها، اتساع خارطة الاحتجاجات الشعبية على المستوى الوطني، بحيث تشهد مشاركة من المواطنين في عدة مدن، حيث ما زال مركزها بشكل أساسي تعز التي عرفت على مدى طويل كمركز لتصدير المعارضة على النظام، علاوة على صنعاء بالطبع التي تخرج فيها المظاهرات اعتماداً على الطلاب ونشطاء المجتمع المدني.
إن اتساع خارطة الاحتجاجات لتشمل مدناً جنوبية ضمن ذات المطلبية السياسية التغييرية الموجودة في الشمال، وليس ضمن مطلبية الانفصال، سيشكل تحولاً مهماً باتجاه الثورة فعلا، ومن المهم التأكيد على رمزية دخول عدن في واجهة الفعل الاحتجاجي بهذه الكثافة، وبخطاب ينتمي جزء كبير منه إلى مطلبية تغيير النظام، كما من الملامح المهمة باتجاه توسع دائرة الاحتجاج التغييرية في الجنوب صدور بيان من بعض مكونات الحراك الجنوبي، وبيان من مثقفين ونشطاء جنوبيين يدعمان التحركات الشعبية في الشمال، ويؤكدان على التضامن معها، علاوة على بيان عدد من قيادات الخارج المهم باستثناء البيض في ذات السياق، وإعلان حزب الرابطة انخراطه في الاحتجاج عبر الشارع، وهو حزب ذو قاعدة جنوبية أكثر من كونها شمالية. ومن الواضح هنا أن السلطات متنبهة لخطورة ذلك، لهذا تعمل على قمع المظاهرات بشكل عنيف في عدن بما يحول دون انتشارها وتكرارها، بحيث تبقي فعل الاحتجاج على النظام معزولاً في الشمال، وتحول دون امتداده وطنياً.
طبعاً الحوثيون عنصر مهم في الأمر، ولكنهم حتى يتخذوا موقفاً حذرا من التطورات وإن كان زعيمهم عبدالملك الحوثي أوضح أثناء خطابه في الاحتفال بالعيد النبويـ أن حركتهم لن تكون بعيدة عن الشعب في حال خرجوا بشكل واسع ضد النظام، وتبدو حساباتهم رهينة بالخشية من أن التحامهم الآن بالحراك الشعبي سيمنح السلطات مبررات لشن حرب جديدة عليهم مع عدم وجود ضمانات بأن هذه الاحتجاجات ستتطور بشكل أكبر بحيث يمكن الرهان عليها.
خريطة للمدن التي تشهد احتجاجات في اليمن
حتى الآن لا يوجد مبرر للقلق من أي استغلال أو تهديد من قبل للقاعدة لمسار الأحداث، فهي في موقع غير فعال في تهديد الاحتجاجات أو الوقوف ضدها، وضمنياً للقاعدة خطاب مضاد للنظام وحتى الآن فهم لم ينقلوا مواجهاتهم له إلى مستويات تلحق الأذى بالمواطنين كعمليات انتحارية في المدن وغير ذلك، ولم يعلنوا عن أي موقف مما يحدث. بالطبع لا يمكن استبعاد أن النظام سيقوم بالتلويح بالقاعدة كورقة ضمن أوراق عدة لترويع الجمهور من انفلات الأمور، وابتزاز الشركاء الدوليين له وخصوصا الولايات المتحدة.
من المهم إدراك أن الرئيس يعتمد ضمنياً على قاعدة تحالف ومصالح واسعة في بعض القبائل الشمالية تنتفع منه، علاوة على كونه رمزا ضمنيا لتمثيل القبائل والمواطنين في شمال اليمن في الحكم، حيث اتسم الحكم اليمني تاريخيا، وتحديدا موقع الرئاسة، بسيطرة مناطق جغرافية وهوية سكانية محددة عليه "شمالية" على حساب تمثيل المواطنين في المناطق الوسطى والجنوبية. ولذلك يمكن القول إن هذه الدائرة هي دائرة تأييده على مدى طويل. طبعا حدثت تغييرات كثيرة في هذه المعادلة، حيث خرجت الكثير من المكونات القبلية في الشمال عليه، علاوة على كون حروب صعدة المتكررة ضربت ما يُمكن وصفه بولاء وتأييد شمال الشمال اليمني المطلق له.
يتلاعب الرئيس أيضاً بورقة الانقسامات المناطقية والجهوية القديمة في اليمن والمؤسسة على إحساس ما يمكن وصفه بمناطق جنوب جبل سمارة بالظلم في تمثيلها في الحكم تاريخياً، وبالمقابل تخوف الكثير من القبائل شمالاً من طموح أولئك في الحكم، وإن كان مسار الأمور أصبح مختلفاً الآن عما كان عليه قبل عام 1990، حيث أدى الانفتاح العام الذي طبع الشأن العام السياسي والاجتماعي، إلى إخضاع هذه الحساسيات والانقسامات إلى النقاشات العامة بمستوى معين وتنفيسها لدرجة ما، حتى وإن بقيت هذه الورقة فعالة وذات جذور اجتماعية، إلا أن الرقابة المجتمعية والسياسية والإعلامية من حولها تجردها من كثير من أسباب القوة التي كانت تمتلكها في الظل، وهو ما يعززه ردود الفعل الحادة تجاه بعض التعبيرات المناطقية التي رددها "بلاطجة" النظام في جامعة صنعاء.
حتى الآن فإن قاعدة الخروج الشعبي على صالح تعتمد بشكل أساسي على المنتمين لمحافظة تعز، حيث تستمر المظاهرات فيها بشكل واسع، وهذه المحافظة تتسم بخصوصية بالغة في اليمن، فهي عرفت تاريخيا بكونها مصدراً للاحتجاج السياسي على النظام في شمال اليمن، ومصدرا للنخب السياسية والثقافية شمالا وجنوبا، وهي تتسم بكثافتها السكانية وانتشار أبنائها الواسع على المستوى الوطني، وينتمي الكثير من النشطاء المدنيين والفاعلين السياسيين والإعلاميين إليها.
يشارك في الاحتجاجات الكثيرون من المحافظات الأخرى بالطبع، لكن توسع ذلك هو الذي سيقلب مسار الأمور، وهناك احتقان واسع لدى كل المواطنين شمالا وجنوباً بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وشيوع الفساد والاحتقان السياسي والحروب المتكررة، وكل تلك أسباب فعالة في إمكانية تغذية الاحتجاجات واحتمال توسعها وتطورها.
من المهم التأكيد على أهمية انخراط الحراك بشكل أكثر فعالية، وإن كان حتى بشكل مرحلي وانتهازي، فهو حتى الآن ما زال يراقب الوضع، ولكن أعتقد أن هناك تطوراً في موقفه بعد صدور بعض البيانات من مكوناته، وهو يفتقر طبعا إلى موقف وقيادة موحدة، تؤيد الاحتجاجات في الشمال، وأعتقد أن المظاهرات التي خرجت مؤخرا في عدن والضالع وشبوة وحضرموت وأبين هي مؤشر على إمكانية أن يستفيد الحراك من الاحتجاجات في الشمال وأن يلتحم بها. وإن تحقق ذلك فعلا، فسيصبح ذلك تطورا مهماً يوسع دائرة الاحتجاجات والثورة على المستوى الوطني، ويضع النظام في أزمة فعلية تهدده بشكل حقيقي.

نشرت في صحيفة النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق