السبت، 11 أكتوبر 2008

أحمد زكي: صورة الفتى الرومنسي الذي عاش بالسينما وانتهى بها!

ماجد المذحجي
بالعادة يُفتش "الجمهور" عن مايشبهه ليطمئن إليه، أو ليقربه من تصوره لنفسه و للحياة، او لما ارادو ان يكونوا عليه ربما. لهذا يكون رواج الفنان بين الناس متصل في جزء كبير منه بهذه الفكرة: ان يكونوا هم البطل في الشاشة، والفنان انعاكس لصورتهم ومشاعرهم! ليست المسألة بالضرورة استلاباً للفنان، ولكنها تتعلق بشروط عمل اكثر حساسية لتوقع الناس بشكل لا يتنافى مع "مهاراته" وتصوره لاستقلاليته. يمكن القياس في ذلك على نموذج احمد زكي، الذي ارتبط جزء كبير من حضوره بالفكرة الرومنسية عن الرجل "العصامي"، والذي اسس "نجوميته" على امتياز الموهبه ودون اتكال على فكرة من قبيل "فتى الشاشه الوسيم"، او تذرع بالكوميديا و"التهريج" باعتبارها المنفذ الاسهل على الجمهور.

تقرب المخيلة العامة احمد زكي من الصورة المصرية الشعبية الشائعة، ملامح ابن البلد "الغلبان" ولكن المثابر والرومنسي أيضاً، تبدو ملامحة قريبة للناس ويمكن عبرها التعرف على صورة الكثير منهم. ذلك محبب للغاية ويمنح نوع من الالفه تجاه شخصيته كفنان او انسان. علاوة على ذلك كان احمد زكي ذو مهارة عالية في صياغة تجربة سينمائية شخصية غلب على ادواره فيها تمثيل "المصري اللي تحت"، واستحضر في تجربته الشغف غير المعقد للفرد البسيط الذي يتمسك بأي فرصه تنقله للاعلى، بكل التصورات الرومنسية لهذه الفكرة وامتدادها في الحلم اليومي للملايين. تبدو سيرته الشخصية أيضاً تمثيلاً حقيقياً لهذا الدور السينمائي الممتد باشكال مختلفه في تجربته: الفرد البسيط الذي اصبح "فوق" اخيراً. ذلك جعله اقرب اكثر من الناس، واكثر التصاقاً بالحلم الشخصي للعديد منهم.
في مستوى اخر تبدو مغامرات احمد زكي السينمائية الاخيرة جزء من رصيدة الاهم، ذلك حاصل في فيلم مثل "ناصر56" الذي استطاع ان يلتقط بحساسية عالية ملامح مرحله مهمه في مصر عبر اهم رموزها انذاك "جمال عبدالناصر". لقد كان قدرته على التكيف بمهارة عالية مع دور "ناصر"، وبتكلف اقل من التجارب السينمائية السابقة التي تم فيها تأدية دور "ناصر"، وتقديمه بشكل قريب مما يراه الناس ويحبونه تجسيدا لمهارته العالية كممثل سينمائي. الامر كان اكثر تعقيداً حين ادى دور "انور السادات" في فيلم "ايام السادات"، حيث يبدو الاخير شخصية اكثر درامية من "ناصر"، وكون صورة "السادات" ليست مستقرة على تقدير جماهيري واحد. كان ناجحاً في تقديم "السادات" رغم ان تمدد الفيلم الزمني في حياة "السادات" باكملها قد اضعف تركيز احمد زكي على طور واحد من شخصيته، كما فعل في فيلم "ناصر"، وهو ماجعل كثافة الشخصية بمعنى ما اقل في اداءة، وقرب هذا الاداء في كثير من الاحيان من التقمص للملامح والحركات بدل الاندماج في التعبير الحميم عن شخصية الرجل.
تتوقف حياة احمد زكي عن الاستمرارية بشكل درامي ومؤثر. لقد انتهى بالسرطان وهي يؤدي اخر ادواره كفنان سينمائي. كان الفيلم اسمه "حليم" ويتعلق بسيرة الفنان "عبدالحليم حافظ"، وكان "زكي" يعلن باستمرار عن حلمه في تأدية هذا الدور. في المسألة رومنسية كثيفة، ويبدو التقاطع بين الشخصيتين "حليم، وزكي" مؤثراً بشكل حقيقي. ينتمي الاثنان لنفس الجذر الاجتماعي البسيط، وقصة صعودها ونجاحمها الفني تكثيف لتحول اجتماعي مصري قصير ومهم في فترة استمرت بين الاربعينات والثمانينات، صعد فيها إلى السطح نماذج "عصامية" من قاع المجتمع. كانت نجوميتهما تعبيراً عن حلم مصري، وانعكس عليهما شغف الناس وتعلقهم بما لم ينجحوا به واستطاع عليه هذان الاثنان. لكن مصيرهم الحزين كان متعلقاً بجذر الفقر، امراض تصيب الفقراء عادة وتقضي عليهم. هكذا كان الامر بالنسبة لـ "حليم" الذي استنزفه المرض حتى مات، وبشكل اقل احمد زكي الذي مات بالسرطان وهي يؤدي سيرة "حليم" الرومنسية التي انتهت بسبب البلهارسيا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق