الأحد، 12 أكتوبر 2008

عـن نـقـيـب متخـفـف مـن واجـباتـه


* ماجد المذحجي
تبدو قضية عبدالكريم الخيواني محلاً ملائماً لاختبار النزاهة الأخلاقية والقدرة على اتخاذ موقف محترم ومسؤول، خصوصاً في بيئة سياسية و"مهنية" تم تجفيف "أخلاقياتها" وإبطال قدرتها على الممانعة، واستطاعت "السلطة" فيها سلب شخصيات "محترمة" قدرتها على التطابق بين السلوك الشخصي "اللطيف" والموقف "النزيه" على المستوى العام! إنها تناقضات تخلقها "الحاجة" ربما، وسطوة امتيازات الموقع العام التي يصعب التنازل عنها لصالح مسؤولية أخلاقية ما والالتزامات التي ترتبها النزاهة على المرء.
تجاوز هذا الالتزام يصبح مفزعاً أكثر ضمن مستوى التضامن الذي يقتضيه العمل في مهنة واحدة على الأفراد. ربما يبدو ذلك وصفاً أخلاقياً متزمتاً، ولكن يصعب تجاوزه في التعاطي مع قضية الخيواني التي أصبحت معياراً على قدرة الكثيرين على إدراك أنفسهم قبل الإصابة بفقر في "الموقف". واعتقد أن التأكيد على هكذا صرامة في الموقف، يجب التشدد فيه بعد المآل السيء الذي يذهب إليه موقع "نقيب الصحفيين"، والذي تقود إليه اعتبارات "السلطة" ومخاوفها، لا تلك التي تفرضها المسؤولية والواجبات النقابية عليه، كما يفترض أن يكون الأمر، أو على اقل شأن كما تفترضها الالتزامات الأخلاقية الشخصية.
ذهب نقيب الصحفيين "نصر طه"، في تصريحاته مؤخراً بشأن زيارة "جيم بوملحة" رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، مذهب الفزع من تداول خبر الزيارة، فليس الأمر حرصاً على دقة الصحف في إيراد الأخبار كما أفصح في تصريحاته الأخيرة، بل يبدو ان الأولوية والحصافة بالنسبة له هي في كتمان الأمر قدر الاستطاعة، وعدم إزعاج السلطة بهكذا خبر عن زيارة كانت ستجبره، لوحدثت، إلى دفع كلفة عالية، بسبب اضطراره حينها إلى التضامن العلني مع الخيواني! وهكذا لم يتردد "النقيب" في اتخذ موقع تبريري ضمني عن السلطة فيما يتعلق برفضها الزيارة، لينقل ويؤكد برضا واطمئنان "تفهم" بوملحة لموقفها! ليعفي السلطة بذلك من الحرج ومواجهة تداعيات قرارها، وليبدو الأمر مجرد تفاهم لائق بين النقابة والاتحاد الدولي، معفياً نفسه تماماً على المستوى الشخصي والنقابي، من اتخاذ موقف من هذا القرار "الأمني" المعيب، فلم يذيل الأمر بأي تعليق كنقيب للصحفيين ضداً عليه، بل منح الأولوية في تصريحه لتقريع الصحف التي أذاعت أمر الزيارة تضامناً مع الخيواني، وشوشت بذلك على ولي الأمر، متخلياً عن مسؤولياته كلها تجاه الوسط الذي يمثله، وتجاه صحفي، وربما صديق، نكل به كما يعلم تماماً.
إنه موقف ليس بطارئ على "نصر"، بل يمتد من موقف متحفظ من قضية الخيواني ميز باستمرار علاقته بهذه القضية، فلا يدلي بتصريح إلا نادراً وتحت ضغط الاضطرار أو الحرج على الأكثر، متخففاً من فكرة التضامن حتى الحد الأقصى، ولذلك لم يشعر أبداً أن موقعه، كنقيب الصحفيين، يفترض به العمل على مناصرة الخيواني بكل الوسائل الممكنة. وتبعاً لهكذا "خفة" غير لائقة بواجبات "النقيب" لم يتواجد "نصر" نهائياً في أي اعتصام أو فعالية تضامنية مع الخيواني، وتجنب تماماً حضور أي جلسة محاكمة لأشهر صحفي يمني يحاكم ويتعرض لانتهاكات واسعة وخطيرة بسبب ممارسته المهنية وتمسكه بحقوقه. فضلاً بالطبع على زيارته في السجن، وهي الخطوة التي لم يبادر إلى القيام بها حتى الآن أيضاً، ولا يبدو أن هناك شيء يُلح عليه للقيام بها كخطوة رمزية يقوم بها المسؤول النقابي الأول تجاه عضو نقابي يفترض به الدفاع عنه وتمثيل مصالحه!
يحتمي "نصر" بسلوك شخصي مهذب، وكياسة لطيفه، وقدرة على مبادلة الأخريين الود، ذلك كما يفترض هو كافي تماماً، ويجب على الأخريين عدم اضطراره إلى اتخاذ موقف "مزعج" للسلطة في إطار مسؤولياته النقابية، لان الارجحية في علاقته بالأخيرة هي ليست لموقعه النقابي والتزامات التضامن المهني، بل لموقعه الوظيفي والتزاماته تجاه "رؤوساه" تحديداً، باعتباره رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" الرسمية. إنه يخضع تماماً في هذا الشأن لمزاج و"مخاوف" الموظف، في ظل تراتبية إدارية وسياسية تجعله ضمن قرار السلطة قسراً، وفي موقعه هذا "امتيازات" ليس من السهولة التضحية بها، و"أملاءات" ليس من السهولة رفضها أو مواجهتها، بسبب التزامات أو مواقف "نزيهة" يفترضها العمل النقابي وتمثيل مصالح المهنة ومنتسبيها، أو لصالح مسؤولية أخلاقية تجاه زميل وصديق يتم التنكيل به علانيةً بأقذر الطرق وأكثرها افتقاراً للأخلاق كما يعلم تماماً.
يقود سلوك "النقيب" إلى إضعاف "النقابة" ونزع الثقة منها، باعتبارها محل للتضامن المهني والأخلاقي بين الصحفيين، ويجردها بذلك من أسباب القوة التي ميزتها دوماً في مواجهة التعسف الذي يطال منتسبيها. إنه يضعها في مواجهة واجباتها الأساسية المفترضة، وعلى النقيض من رأسمال محترم لها باعتبارها كانت على الدوام في الواجهة ضداً على أي ممارسات سياسية وأمنية تعسفية تنال من الحقوق والحريات العامة على المستوى الوطني.
....................
* نشر في موقع الاشتراكي نت ، بتاريخ 21 أكتوبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق