السبت، 11 أكتوبر 2008

نساء يختبرن الالتزام "الأخلاقي" لليمنيين تجاه الضحايا


ماجد المذحجي
لايدافع الناس عادة عن حقوقهم في اليمن، بمواجهة العنف والتعسف الذي يطاولهم من قبل السلطة أو أي جهة كانت. لقد أبطلت عقود من الترويع الأمني والعنف الاجتماعي المتبادل بين المجموعات الأهلية، شمالاً وجنوباً، قدرة الناس على المقاومة و"المطالبة"، وتحولوا إلى كائنات مذعورة تماماً. أُفسدت قيمة التضامن بين الأفراد بممارسات أمنية تفتقر للأخلاق واستهدفت القيم والبشر، ولم تكتفي بالنيل من الفرد لوحدة بل تقوم بالتنكيل بأسرته أيضاً لو قامت فقط بالسؤال عن مصير ابنها أو أبدت أي قدر من التضامن العلني معه! ذلك يدمر أخلاقية التعاطف في المجتمع ويجرده من الإمكانية على حماية "الضعيف" و"المنتهك" والقدرة على إبداء أي شكل من التضامن مع ضحايا "العنف" و"الاستقواء".
هذا المصير اليمني السيء لقيمة التضامن والقدرة على مقاومة "المظالم" يتم "عكسه" مؤخراً عبر أداء فريد واستثنائي تقوم به اسر معتقلي حرب صعدة. إن تجربة هذه الأسر المتواصلة حتى الان في المطالبة بالكشف عن مصير أبنائها وإطلاق سراحهم والدفاع عن حقوقهم تشكل نموذجاً استثنائياً يضع المجتمع في مواجهة صمته ومخاوفه والتزاماته الأخلاقية الضعيفة، وهو نشاط دؤوب يتغذى على قوة "الحق" الأخلاقية وينال من الصمت "اللاخلاقي" الذي يفرضه السياسيين و"الأمنيين" على مصير الضحايا.
تقوم هذه الأسر منذ بدء الاعتقالات "غير القانونية" بالتحرك اليومي من اجل أبنائها، ولم يستثنوا جهة رسمية من الزيارة والاعتصام أمامها بدءاً من النائب العام ورئاسة الوزراء، ومروراً بوزارة الداخلية والأمن السياسي والقومي ولجنة أعمار حرب صعدة وجامع "الصالح"، وحتى دار الرئاسة التي نفذوا أمامها فقط إحدى عشر اعتصاماً متتابعاً لطرح مطالبهم على الرئيس، ولم تتجاوز استجابة "الحراسة" استجابة أي مذعور، حيث تقوم بتهديدهن بالاعتقال وترويعهن بكلاب الحراسة "الرئاسية" كما حدث في أواخر شهر رمضان!
لقد قابلن علي صالح الأحمر، ومطهر المصري، ورشاد العليمي، وعبدالقادر هلال، وعبدالله العلفي، واحمد درهم وكل ذو علاقة بهذا الملف، ولديهن وعود وتوجيهات من الجميع، ومن رئيس الجمهورية، بالإفراج عن مالم تثبت تهمه عليه من المعتقلين. وبالطبع لم يحدث ذلك الإفراج لأي معتقل (لم يطلق سوى عن بعض المقاتلين في صعدة أما المعتقلين المدنين في صنعاء وحجة والمناطق الأخرى فلم يحدث أن أطلقوا)، ولم يحول احد منهم للنيابة والقضاء لتقرير التهمه من عدمها، رغم أن مدد الاعتقال تجاوزت في بعضها العامين ولم تكن كافية لإثبات تهمه أو نفيها بالنسبة للمسؤولين الأمنيين والسياسيين، مع التأكيد على كون الكثير من هؤلاء المعتقلين تعرضوا لجرائم الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وبعضهم من القصر، وتم اعتقالهم ضمن سياسية أمنية تميزية "عنصرية" بسبب انتمائهم المذهبي للزيديه، وكل ماتعرضوا له مجرم دستوراً وقانوناً، ويمكن تصنيفه في حال تحوله لسياسة وممارسة رسمية شائعة ضد فئة معينة، وهو أصبح كذلك بالفعل، لجرائم ضد الإنسانية يطالها القضاء الدولي حين يعجز عن التصدي لها القضاء الوطني لها كما حاصل بالفعل هنا.

إن القانون والأحزاب والمجتمع بأكمله شهود صامتين على مأساة المعتقلين المستمرة، والجهاز الأمني خصم مباشر للمئات من العائلات اليمنية التي اعتقل أبنائها على ذمة حرب عبثية أوجدت بيئة خصبة للانتهاكات والممارسات العنصرية، ولن تتوقف تداعيات هذه الاعتقالات على استمرارية مأساة المعتقلين وأسرهم، بل ستتسع تماماً وستوفر أسباباً كثيرة للاستنفار الاجتماعي والمذهبي في مواجهة الدولة، وستعمل على تغذية أسباب لحرب أخرى في صعدة، ستكون أكثر عنفاً ودموية لو عادت لمرة سادسة، علاوة على ما ستحدثه من انقسامات أعمق في مجتمع أصبحت مكوناته متوترة فعلياً تجاه بعضها.
لقد كان صباح عيد الفطر الموعد الأخير، حتى الأن، لاعتصام هؤلاء النساء الفريدات أمام جامع الصالح حيث كان الرئيس، وكافة رؤوس دولته، يحضرون خطبة وصلاة العيد. أكثر من سبعين امرأة وقفن بشجاعة رافعات مطالبهن على ورق مقوى ومعتمدات على حق لا ينكر وإحساس بالظلم لن تكفي الصلاة في هذا الجامع "الصالح" لإنقاذ أي "ظالم" من مغبة ظلمه لهن. إنها بالتأكيد ليست خطوة أخيرة، تفضح عنف ارعن، يقمن بها حتى يتحقق لهن ما يردن. ستستمر هؤلاء النساء بالحركة في مواجهة التخاذل وخجل ثقيل يرزح تحت وطئه الجميع حين لايقومون بأي شيء لمناصرتهن ودعمهن، وسيصبح المقياس الوحيد على التزام اليمنيين الأخلاقي بقيمة التضامن وقدرتهم الفعلية على الانتصار للضحية والمستضعف مرهوناً بتحرك الجميع الجاد من اجل قضية عادلة تماماً: إطلاق سراح المعتقلين.
نشر في موقع نيوزيمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق