الأربعاء، 21 يناير 2009

بلاد ضيقة ومليئة بالكراهية


ماجد المذحجي
ماشا النهاري فرد بملامح يمنية معتادة، الزي واللهجة نفسيهما، ولا يمكن تمييزه في ظروف اعتيادية، لولا الزنار المتدلي على جانبي وجهه. إنه –ببساطة- مواطن يمني ينتمي للديانة اليهودية، قُتل لكونه كذلك. لم يقم قاتله بما هو استثنائي بالفعل، لقد نفذ ما في صدور الجميع فقط، استجاب لثقافة كراهية تبرر القتل يومياً، وقام بإعلان ما تؤمن به الغالبية في اليمن، حيث الدعوة لقتل المختلف دينياً وثقافياً، وأيديولوجياً أيضاً. جملة متداولة، ويتغذى الأفراد عليها باستمرار، عبر التلفاز والصحف، وفي خطبة الجمعة التي تختم الدعاء في كل أسبوع بـ"اللهم اهلك اليهود والنصارى!"، ليصبح كل ذلك مسوغاً سهلاً لقتل ماشا النهاري، ويمكن أن يصبح أيضاً سبباً للتقرب إلى الله، أو الانتصار لفلسطين. إنه قاتل لا يحتاج لتبرير جريمته. وما يقوله في المحكمة يتكرر في الجملة اليومية التي يتلقاها اليمنيون وينفعلون معها. لقد نطق جملة القتل التي نتبناها جميعاً فقط.
لقد استجاب اليمنيون الذين يدينون باليهودية لكافة أشكال التمييز الاجتماعية والقانونية ضدهم، كما فعل أسلافهم منذ قرون طويلة، ليتكيفوا مع المجتمع ويحظوا بالحماية والأمان، واستمروا بالحياة في هذه البلاد ضمن ظروف صعبة وشروط قاسية حرمتهم من أبسط الحقوق كمواطنين، ودون أي تذمر، وكان عليهم إثبات انتمائهم ووطنيتهم باستمرار: خضعوا لأعراف مناطقهم ومشايخها، وبايعوا الرئيس في الانتخابات الرئاسية، وأدانوا الاحتلال الإسرائيلي والهجوم على غزة، وتبرعوا بالدم للفلسطينيين، و... و... و... الخ. ولكن كل ذلك لم يعد كافياً كما يبدو الآن، فعليهم أن يدفعوا ثمن ثقافة الكراهية والتحريض القومي والديني، وغياب المساواة والعدالة، وعدم وجود دولة تضمن الحماية والحقوق لمواطنيها دون أي تمييز.
بعد مقتل ماشا، تمسك والده بحقه في إدانة القاتل والاقتصاص منه، وطالب بإنفاذ ما ينص عليه شرع المسلمين فقط، لم يطالب بالكثير. وكان أن عُرض القاتل على القضاء. يفترض أن يمضي الأمر ضمن ظروف طبيعية عقب ذلك، وأن ينال القاتل عقوبته؛ ولكن مقتل ماشا ومحاكمة قاتلة فتحت طاقة الكراهية حتى الأخير، وأفصح عن مجتمع عدواني بشدة، وعن دولة ضعفية ومهترئة لا تستطيع حتى توفير الحد الأدنى من الحماية لمواطنيها، ليتعرض اليمنيون اليهود للقذف بالحجارة من الأطفال في عمران، وللتهديد بالقتل باستمرار، علانية، في المحكمة وعبر رسائل الموبايل، من قبل أشخاص وجهات معلومة؛ ليصبح مآل الأمور أن تقوم الدولة بتهجيرهم من مناطق سكنهم بدلاً من حمايتهم وضمان حياتهم وتحصيل حقوقهم. إن كل ذلك هو عنوان عريض تماماً لدولة فاشلة تحمي العنف والكراهية، وتتواطأ مع التمييز وانتهاك الحقوق وغياب القانون.
على الأغلب –إذاً- انه لم يعد بإمكان اليمن احتمال 300 يمني يهودي فقط، والبداية السهلة هي نقلهم إلى صنعاء، وإن كان بالإمكان فترحيلهم خارج اليمن لضمان راحة البال كلياً، ويصبح على 20 مليونا أن يتطابقوا في المعتقد أخيراً، وربما عليهم أن يتطابقوا في المذهب أيضاً في وقت لاحق. يبدأ الأمر باليهود إذاً، ليصبح من السهل لاحقاً تصفية الآخرين؛ الإسماعيلية على الأغلب، وربما المتصوفة والزيود أيضاً، فمن يدري إلى أين تمضي أحوال التطرف والكراهية باليمن؟!
نشرت في صحيفة النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق