الخميس، 16 أبريل 2009

المقالح والبردوني.. تناقضات الازدحام على الموقع رقم 1


ماجد المذحجي
اندرج عبد الله البردوني وعبد العزيز المقالح في موقعين متناقضين في الانطباع العام، الأول وصف بكونه "شاعر الشعب"، والثاني "بشاعر النخبة"، وصنف الأول ضمناً بخصم للسلطة، والثاني وان لم يكن "مثقفها" فهو اقرب ما يكون إلى ذلك. وعلى عمومية الانطباعات العامة وعدم انضباطها، أو بالضرورة حقيقتها، فهي تعكس تصور استمد من حوادث أو من سياق تجربة كل فرد منهما، وتفصح عن الزاوية التي يتم منها النظر لأدوارهما.
لقد شكل كل من المقالح والبردوني ابرز اسمين ثقافيين يمنيين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ومنذ لحظة باكرة في مشهد ثقافي يتسم بالفقر، احتكر الاثنين الحضور العام والتعبير عن اليمن. هذا التواجد قرب بعض، خلق في مستوى "تنافسية" غير معلنة بين الطرفين، تؤدي لها طبيعة الازدحام على الموقع الأول بين اثنين، وهو ما جعل العلاقة بينهما مشوشة وغير واضحة ومليئة بالشائعات، وكل ذلك وفر مادة يُمكن استثمارها في بناء الأحكام لتعزيز احدهما في مقابل أخر، بالطبع أياً كان هذا "الأحد" منهما.
 المقالح: مثقف وتحديثي.. وقريب من السلطة
قرب الدكتور المقالح من المستويات الرسمية عادة أدى إلى هذا "الوصف" السلطوي له، وان كان لم يلعب دور مداح السلطان أبداً أو منظره، ولكن المؤاخذات العامة عليه وصفت صمته في كثير من الأحداث بأنه "خيانة مثقف"، علاوة على أن في تسلمه لرئاسة جامعة صنعاء ومركز الدارسات والبحوث وتعيينه لاحقاً في موقع المستشار الثقافي للرئيس ما يدينه، وفق منطق متطرف يقدر نزاهة المرء أو وطنيته بمدى المسافة التي تفصله عن الحكومة!
إن نخبوية المقالح الذي يحضر كأكاديمي ورجل إداري أكثر من كونه مثقف عام أو "شعبي" في بلاد يتبنى فيها الناس الصورة الأقرب لهم، حيث لا يحدث الانحياز الأولي، بالمعنى الانطباعي النفسي إن صح هذا التعبير، لصالح رجل يرتدي كرافتة وبدله "إفرنجية"، بل للأخر الذي يرتدي الكوت والقميص "الدشداشة". كما انه في مستوى أخر شكل النسق الحديث لقصيدة المقالح سبب في عدم عموميته وانخفاض اتصاله بالتعبير الشعبي الذي تنجح الإشكال الكلاسيكية من القصيدة عادة في التقرب منه وحجز الموقع الأول المحتفى به والمتداول بشده.
دفع "المقالح" باعتباره "التحديثي" الأول ضمنياً في الكتابة اليمنية ثمناً مُكلفاً جعل "حياته" مُعرضة للخطر، وفي فترات مختلفة كان "المادة" الأكثر ملائمة للتكفيريين، وشكل اختياره الثقافي الحديث في الكتابة والشعر شيء مفارق فعلياً في مجتمع محافظ بشدة تبدو فيه هذه الاختيارات "عدائية"، واتسم حضوره الشخصي بنبرة هادئة وودودة تتسق مع اختياره الثقافي، ومسافته الحذرة من اصطفافات "السياسة" التي قاربها ربما ضمن فكرة "الأمان" وأولوية "الأدب" على "المواجهة".
حضر المقالح أيضاً باعتباره فاعل مهم في العلاقة مع الأسماء الجديدة في المشهد الثقافي اليمني، واتسم بتجاوبه معها، وترويجها ضمن الحضور العربي الواسع لها، والذي يتلقى شهادته عادة بتقدير، ورغم انه كان يؤاخذ أيضاً بأن ضغط الحرج الذي يتلقاه وكثافة عدد ما يصله أدى إلى "انخفاض" تمييزه بين الجيد والرديء.
البردوني: شاعر ذو كاريزمية استثمر خصومة السلطة
في المقابل تواجد البردوني ضمن مسافة بعيده عن كافة المستويات الرسمية، واثر الحضور ضمن الفكرة "الشعبية" عنه: أي المناضل خصم السلطة، على عدم استوائه ضمنها باستمرار. وكان فاعلاً تماماً في أطار نقابي "اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين" حضر في مستوى ما باعتباره محل للمصطفين في الجهة المقابلة للسلطة، خصوصاً في شمال اليمن.
لقد تشكلت ظاهرة البردوني "الشعبية" بالاعتماد على "كاريزمية" الرجل البسيط والواضح، الأقرب للقول اليومي للناس، وأنتج قصيدة يمكن وصفها بـ "الشعبية" لكونها توسلات الانفعالات العامة في علاقتها بالمتغيرات الوطنية والقومية، فشملت تناقضات محسوسة بالنسبة للجميع جعلها تحظى بالرواج، وهو شأن ساعدته عليه بنية القصيدة الكلاسيكية التي تحتمل هكذا تنويعات باسترخاء قياساً بالقصيدة الحديثة.
لقد استطاع البردوني عبر شراكته في السياسة من موقع "المثقف الضد" أن يحمل "نفسه" على خارج حدود "الأدب" إلى عمومية "السياسة"، حيث حضر بجملة "غير مهادنة" اعتراضاً على الأحداث العامة، وهو ما روجه خصوصاً في ظل ظروف خطيرة بدا فيها المتحدث الوحيد بصوت عالي الذي اعتمد في حماية نفسه على جراءة جملته وعلى كونه "لا يؤاخذ" وانه "هكذا"!
بدا البردوني في علاقته بالجيل الشعري اللاحق اقل اهتماماً، منهمكاً في منجزة الشخصي، ولم يستثمر ذيوع اسمه الواسع في ألمنطقه العربية للدفع أو الترويج بأسماء جديدة. اتصاله الشعري والثقافي ضمن المستوى العام يخص تجربته الشخصية كشاعر وباحث، ولم يحضر عادة باعتباره "منفعل" مع الإضافات الجديدة في المشهد الشعري والأدبي، مع وجود استثناءات بالضرورة لهذه تُكسر فيه هذه الدائرة الذاتية المغلقة.
تناقضات الازدحام على الموقع رقم "1"
لم تبدو العلاقة واضحة بين المقالح والبردوني وبدا أنها مليئة بالكثير من النقاط غير الواضحة، وصنفت ضمنياً بأنها علاقة تضاد فيها قدر من الخصومة أكثر من الود. التناقض لايبتدئ بشكل القصيدة التي ينجزها كل واحد منهما، ليمتد ليشمل الاختيارات في السياسة، الذي بدا فيها الأول ميال للصمت عن مشاغلها والثاني مندفعاً في قلبها، وأيضاً طريقة الحضور الشخصي التي يتسم فيها المقالح بالتهذيب والكياسة والتحفظ، بينما اشتهر عن البردوني الحضور الشخصي اللاذع وانخفاض الاهتمام بالرسميات. شكل العلاقة المباشرة بينهما ظل في حيز الصمت، وعرضه للإشاعة يتم فيه تبني مروية تميل إلى تبني "عدائية" من البردوني ضد المقالح، والعكس قائم أيضاً، ولكن في العموم لاشيء علني يؤكد أي من ذلك أو يسببه إذا كان حاصلاً فعلاً. يبدوا الأمر كامناً بشكل كلي في "التزاحم" الضمني بين الاثنين على الأبوة الشعرية "الحديثة" في اليمن، ومن هو الأكثر حضوراً على المستوى العربي، والكثير من هذه التفاصيل. وتصبح الإشاعات بذلك حاصل ضرب موقع واحد في المقدمة لا يتسع لاثنين من الكبار بالضرورة.
نشرت في مجلة ابواب اليمنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق