الاثنين، 10 ديسمبر 2007

أترك وعودك نائمة


ماجد المذحجي
شيء مؤذ أن تجد نفسك واقفاً امام مخاوفك فتستحضر كل ما يتركك واهناً وعرضة للأسوأ: تفتح حينها صدرك دفعة واحدة فينفجر شيء غاضب.. وقاتم! أنت مشوش. بداخلك انفتحت جروح ناعمة، ودمشق مسافة غامضة في الداخل: لا شيء الآن يعفيك من حنين ثقيل في القلب وإحساسك الساخن بالدوخة وعدم التوازن. لا تعلم الآن ما هو الأسوأ، احتفاظك دون أن تدري بكل ما يخصك هنا، أو ظهرك الذي أدرته لكل شيء كي تطمئن لفرصة أخرى في الحياة. في الحدود تماماً علمت أن ما يستيقظ في الليل ويغلق صدرك كل يوم يشبه هذا الطريق الطويل نحو دمشق وفيها. يشبه القبلات التي زرعتها أسفل النوافذ حيث النساء الملونات يُرقن الضوء في الصباح، وفي جذوع الاشجار القديمة التي تمد جذورها في قُبَل العشاق السريعة. اللمسة التي تركتها مشرقة في كف صبية وتلك الضحكة التي صارت حمامة تنام في عينيك حين أخبرتها كم هي جميلة. روحك التي شربت الشوارع والمقاهي والبارات والوجوه الملونة، وأصابعك التي تركتها غائرة في دم الأصحاب وقلوبهم. عرفت ذلك وتذكرت تماماً أن بإمكانك إحصاء كل شيء الآن: كم جثة تنام في قلبك منذ غادرت. الأغاني التي نامت في البرد منذ أطفئت اخر أضواء دمشق في عينيك. كل خطوة خسرتها في الحياة وأنت تمضي بعيداً في رصانة لا تخصك.
هذا اليوم بالتأكيد ليس لك وهذه رائحة حنينك. تتنفس روحك وجوه أصدقائك، وكل من شعروا بالخديعة فيك ثقبوا قلبك: يا دمي لا تنم. دمشق لم تمت.. لم تخاصمك. وفي ليلها شيء يخصك. أنا الآن شجرة شاحبة تستعيد صوتها من الريح. ذكرياتي قصصتها وعلقتها في الساحات لتدلني عليّ. نافذتي مضاءة، وأعصابي مسرجة، وكأسي نصف فارغة. وأنتظر الدخان، والغرف الضيقة، والرقص القديم، والصوت السيء للحزن. ثمة ما يحدث الآن بالتأكيد ويشعرني بالألم: أحدٌ ما يعزف على عود وحيد في مطار مغلق. فتاة ترقص عارية في البرد لحبيب نائم، ومكالمة أضاعت الطريق وتركت رجلاً ينتظر قرب حزنه. ثمة ما لم ينته أيضاً: أنا أيضاً، أوزع من أحببتها على الشواطئ ولا سفينة تجيء لتنقذ ما بيننا. حانة للثرثرة لا تكف عن اختبار الغرباء وإضاءة الطريق نحو الحزن، وآخرون يتركون حقائب ملأى بالكلام الميت على بابها. ووعد تركته الأساطير غائراً بين عيني كل من دلف إلى دمشق ولم ينم مطمئناً بعدها: لن تنسى ما كنت هنا.
نشرت في صحيفة النهار الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق