الخميس، 4 أكتوبر 2007

"النعمان" سياسي استثنائي مازال خارج القراءة التاريخية!


ماجد المذحجي
بخلفية إقطاعية ودور سياسي بارز تداخل فيه تصنيفه بالمحافظ والمتنور شكل الأستاذ احمد محمد النعمان علامة استثنائية في التاريخ السياسي اليمني الحديث. الرجل الذي مرت الذكرى الثانية عشر لوفاته في نهاية سبتمبر الماضي، شارك في الأحداث المفصلية في يمن القرن العشرين، والتي تشكل جمهورية اليوم محصلة لها في أكثر من مستوى، واستطاع أن ينتزع موقعاً متقدماً كسياسي مفوه وذكي تميز بكونه كان متقدماً باستمرار خطوة عن الأخريين من مجايليه، كما دفع غالياً ثمن نضاله السياسي والتزامه بتصوره، الذي يوصف بـ "المحافظ"، عن صيغة "الوطن" الأفضل. حيث تم تجريده من الجنسية وطعن في وطنيته من قبل رفاقه، وقتل ابنه الأكبر محمد في بيروت، ووصف بـ "الرجعي" من قبل القوى "التقدمية" آنذاك!
النعمان الذي شارك في صياغة الحدثين الأساسين (حركة 48، وثورة 26 سبتمبر) الذي قاما بتحويل صيغة الحكم في اليمن من "الإمامة" إلى "الجمهورية"، تمتع باستمرار بـ "كاريزما" شخصية وكفاءة سياسية عالية عززته موقعه بمقابل "اقيال" سياسيين ذوي امتدادات عصبية قبلية ومناطقية وعسكرية، حيث لم تكن لتكفي خلفيته الإقطاعية كفرد من "اليمن الأسفل" لترجحه لوحدها بمقابلهم وفق توازنات السياسية والمناطق  في اليمن. واستطاع دائماً أن يروج ويحمي تصوره السياسي "المحافظ" في مواجهة تحولات سياسية وأيديولوجية عصفت في اليمن عقدي الستينات والسبعينات وجعلته، وهو المصنف بالتنويري ابتداءً، يفرز ضمن خانة "الرجعيين" والقوى التقليدية من قبل القوى "التقدمية" الجديدة التي اشتد عودها عقب 62.
إن تصنيفه العام بـ "المحافظ" تأسس على ممارسته سياسة "توفيقية" أثناء الاصطفافات السياسية الحادة التي حدثت بين القوى المختلفة في اليمن عقب الثورة، علاوة على حضور خلفيته الإقطاعية وثقافته التقليدية في خلفية هذا التصنيف رغم انفتاحه الباكر والنوعي على علوم العصر آنذاك في مدرسة ذبحان التي افتتحها وأدارها في بداية الثلاثينات. إنه سلوك "وسطي" ميز النعمان باستمرار كسياسي ورجل دولة، وهو شأن يتصل تماماً بصيغته الشخصية المسالمة والنافرة من أدوات العنف والقوة ومن التغيير الجذري للأحوال والظروف. ولكن هكذا سلوك "وسطي" بالتأكيد لن يكون مستساغ بسهولة من قبل الأخريين من حوله، المسلحين بعنف شخصي بالأساس انعكس على ممارستهم للسياسة وتصورهم للحكم، خصوصاً أثناء الاصطفافات الحادة والمسلحة، بعوامل قوة كثيرة، التي حدثت بين التصنيفين التقليدي والتقدمي للقوى في يمن ما بعد الثورة، بينما لم يتقوى الأستاذ في مقابلهم سوى بمهاراته السياسية "الناعمة" وكاريزميته الشخصية، وهو ماهو جعله ضحية الطرفين لتمسكه بهذا الشكل من السياسة المرنة، على رغم من قربه السياسي و"الإيديولوجي" للقوى التقليدية آنذاك.
لم يُحتفا بذكرى الأستاذ النعمان رغم أهميته والقيمة الوطنية العالية التي يشكلها، ومازالت قراءة أدواره فقيرة قياساً للاستقطاب الذي نشأ حوله، ولما لعبه من ادوار وأحدثه من نتائج في التاريخ اليمني الحديث. وفي الأغلب تم استدعائه، أثناء حياته وعقب وفاته،  ضمن سياق إنشائي يمدحه، أو في سياق هجائي ينال منه فقط! وهو ما يجعل بعيداً من أي قراءة منصفة، تبحثه ضمن ما هو عليه كفاعل سياسي يمني استثنائي يمكن وصفه بالتأكيد كرجل سلمي ونزيه ومحترم ووطني.
نشرت في صحيفة النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق